75919582
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
دنانري وأم جعفر
لاحترست من التورط؛ لأنها لم تكن ترى منه ميلاً ولكنها أحبته عفوًا، وهي لا تعرف
دلائل الحب.
وما زالت على ذلك حتى التقت به تلك الليلة فجأةً ثم رأته يلاطف زينب ويداعبها؛
فتحركت الغَرية في قلبها مع علمها أنه فعل ذلك تلطفًا ومجاملة، وأحست كأن سهمًا
أصابها في قلبها. على أنها تراجعت وحاولت أن تُقنع نفسها بأنْ ليس ثَم َّةَ داعٍ للغَرية
فاقتنع عقلها، وأما قلبها فما زال في اضطراب. وأخذت من تلك الساعة تتساءل عن سبب
هذا الشعور، فاغتنمت اشتغال جدتها ودنانري بالطعام والحديث، وطفقت تفكر في سبب
هذا الشعور، وكلما هم َّت بأن تسأل نفسها هل تحبه غلب عليها الحياء وأنكرت ذلك؛
لأنها لا ترى من أعماله ما يُجر ِّئها عليه؛ فتعللت بأنها إنما تحبه إقرارًا بفضله وإحسانه.
ثم رأت ذلك لا يُغني فتيلاً ؛ لأنها تُحس ُّ بانعطافٍ إليه غري انعطافها إلى جدتها مثلاً
وهي أكثر الناس إحسانًا إليها؛ فتحققت أنها تحبه لغري الإحسان. وملا تصو َّرت ذلك ولم
ترَ مندوحةً عنه انقبضت نفسها؛ لأنها لم تلحظ منه شيئًا من غري هذا القبيل نحوها.
وعادت إلى ذكرى املاضي فراجعت تاريخ معرفتها به وما كان يبدو من حركاته وأقواله؛
فلم ترَ دليلاً على أن عنده مثل ما عندها. على أنها حملت ذلك منه على رغبته في التكت ُّم.
وهكذا كانت عبادة ودنانري تتناولان الطعام وتتحادثان، وميمونة غارقة في هذه
الأفكار. وبعد الفراغ من الطعام قالت دنانري: «هل تريدان الذهاب إلى الفراش فإننا في
أواسط الليل؟»
فقالت عبادة: «أما أنا فلا أشعر بالنعاس، ولكن ميمونة تنام.»
فلما سمعت ميمونة قولها تذكرت أن بهزاد وعد بألا يُبطئ في العودة، وشعرت
بميلٍ إلى أن تراه قبل الرقاد، ولا سيما بعد ما ناجت به نفسها من حبه لعلها تؤانس منه
إشارة أو تسمع كلمة تستدل منها على ميله إليها. فلما سمعت قول جدتها حدثتها نفسها
أن تَعصيَها ولكنها لم تجرؤ؛ إذ لم تألف مخالفتها، فوقعت في حريةٍ وارتبكت في أمرها.
ولحظت دنانري ارتباكها وأدركت سببه دون عبادة؛ إذ كانت لا تعلم شيئًا عن عواطف
حفيدتها، فلم تكن تتوقع منها غري النهوض، ثم سمعت دنانري تقول: «ما لنا وللرقاد
الآن؟ دعي ميمونة معنا فإن هذه الليلة عندي من ليالي العمر لِشدة فرحي بكما.» ثم
مدت ذراعيها إلى ميمونة وضم َّتها إلى صدرها وقالت: «ولا سيما حبيبتي ميمونة؛ فإنها
كنز لقيته؛ فدعيني أتمتع برؤيتها.»
فأشرق وجه ميمونة، وملا ضم َّتها دنانري وقب َّلتها أجابتها بقُبلات حار َّة وضحكت
من شدة الفرح.
51