Attention! Your ePaper is waiting for publication!
By publishing your document, the content will be optimally indexed by Google via AI and sorted into the right category for over 500 million ePaper readers on YUMPU.
This will ensure high visibility and many readers!
الأمني واملأمونفبان السرور في وجهها وتنه َّدت تنه ُّد مرتاح، وقالت بصوتٍ متقطع: «بورك فيكيا بُني، لقد نزعت العار عن قومك، وجبرت قلب أمك.» ثم تنهدت وتململت وهي تتجلدوتُغالب الضعف، وقالت: «أين الرأس الثالث؟»قال: «يكون هنا في صباح الغد وتُدفن الرءوس الثلاثة معًا.»فرفعت يدها نحو السماء كأنها تدعو له، ثم ملست وجهه لتُباركه فأحس َّ ببردهاوجفافها، كأن أصابعها من حديدٍ بارد. وأومأت إليه فانحنى عليها فقب َّلته ثانيةً وهمستفي أذنه بصوتٍ لا يكاد يبني: «ادفنه معي غدًا.»فنظر إلى وجهها الشاحب الضئيل، فرأى في عينَيها دمعتَني تحاولان الانحدار، ولاتجدان مخرجًا من املقلتني لشدة غورهما وهي مستلقية فتحق َّق قُرب أجلها، فابتدرهاقائلاً : «لقد باركتِني يا أماه، فأتوسل إليكِ أن تُباركي فتاةً ستكون شريكة حياتي كماكانت شريكتي في املصائب.» والتفت فأشار إلى الخادم أن يُناديَ ميمونة وعبادة.وكانت ميمونة قد سمعت بهزاد يسأل الخادم عن أمه ساعة وصولهم فعلمت أنهافي املنزل وأصبحت مشوقةً إلى معرفة نسبه، فلما جاءت ملشاهدة أمه ذُعرت لِما رأته فيهامن الضعف والشيخوخة، وبان ذلك عليها وأدرك بهزاد ذعرها، فابتدرها قائلاً : «طاملاأحببتِ أن تعرفي نسبي، فاعلمي الآن أن هذه الراقدة أمي، وهي بنت أبي مسلم صاحبالدعوة، مؤسس الدولة العباسية الذي قُتل غدرًا، كما قُتل أبوك، وليس في خراسان منيعلم أني حفيد ذلك البطل إلا سلمان الخادم وأمي، والناس يَحسَ بونني ربيبها لأنيوُلدت بعد وفاة أبي، واد َّعت هي أني ربيبها وأوقفتْني على الانتقام لأبيها وسمتْني كيفر.وقد آن لي أن أُخبرك أيضً ا عما في ذلك الصندوق، فاعلمي أن فيه رأس جدي ورأسأبيك.»فلما سمعتْ ميمونة ذلك أجفلت وتغري َّ لونها، فشغلها عن دهشتها بإتمام حديثهفقال: «وقد حفظتهما في الصندوق حتى أتيت برأس الأمني وهو ثالثهما، وسيُؤتى بهإلينا غدًا ويُدفن الثلاثة معًا؛ فأكون قد وفيتُ نذر والدتي وزدت على ذلك أني أتيتهابابنة جعفر حبيبنا.»وكانت فاطمة في أثناء ذلك مستغرقةً في النوم لشدة ضعفها، فلما فرغ بهزاد منحديثه أمسك ميمونة بيدها وأدناها من سريرها وهو يقول: «هذه ميمونة بنت جعفربن يحيى قتيل الرشيد، قد أسعدني الحظ ُّ بلُقياها، وأحببتُها وأحب َّتْني، وقاست العذابمعي، وقد فرحنا معًا، وهي ستكون زوجتي فباركيها.»206
بهزاد وميمونةفرفعت يدها وأشارت إليها أن تدنوَ منها، فدنت فقب َّلتها ومسحت وجهها بكف ِّهاوتمتمت وأشارت إلى ثوبها الأسود وشفعت ذلك بإشارة النهي، ففهمت أنها تأمرها بنزعالحداد فأشارت مطيعة، ثم استقدم عبادة وكانت بجانبه، وقال لها: «وهذه أم الفضلوالدة جعفر.»فحد َّقت فيها مع شخوص بصرها وجموده وتكلفت الابتسام، كأنها تقول: «عرفتها.»فقالت عبادة: «نعم، إني أعرفكِ منذ صباي.» وانحنت عليها وقب َّلتها فلمستها فاطمةبشفتَيها وقد أخذ منها الضعف مأخذًا عظيمًا وأحست بضيق صدرها وسرعة تنف ُّسها،فعلم القوم أنها في حالة النزع، ولكنها ما زالت مبتسمة ابتسام الفوز حتى فاضتروحها وهم ينظرون.207