11.10.2020 Views

75919582

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

الأمني واملأمون

وكانت ميمونة أكثر السامعني استغرابًا؛ لأن الرجل قرأ ما في ضمريها،‏ ولو أرادت

هي أن تترجم إحساسها لم تستطع تبيانه بأوضح من ذلك،‏ فأشرق وجهها وبانت

الطمأنينة في مُحي َّاها،‏ ونظرت إلى الأمني نظر الاسترحام وظلت ساكتة.‏

أما زبيدة فخف َّت نقمتها على ميمونة ولم يَخِ‏ ف َّ كُرهها فقالت لسعدون:‏ ‏«هل تعتقد

أن هذه الجارية بريئة؟»‏

قال:‏ ‏«هذا ما أظهره لي املندل،‏ وعهدي به لا يَكذبني.‏ وعند أمري املؤمنني الخبر

اليقني عنه.»‏

فأشارت إلى ميمونة أن تخرج فخرجت وهي لا تُصدق أنها نجت.‏ ثم التفتت زبيدة

إلى امللفان سعدون وقالت:‏ ‏«إني واثقة من علمك أيها امللفان،‏ ولكن قلبي لا يُحدثني عنها

خريًا.»‏

قال:‏ ‏«لأنكِ‏ تكرهينها،‏ ولا عجب فإن أباها أساء إليكِ‏ وإلى سيدي أمري املؤمنني،‏ وإذا

رأيتِ‏ أن أعيد املندل في فرصةٍ‏ أخرى فعلت.‏ وإذا أذن أمري املؤمنني أن أجالسها مرةً‏

أخرى على انفرادٍ‏ زدته تفصيلاً‏ عن أحوالها.»‏

فقال الأمني:‏ ‏«لك ذلك أيها امللفان.»‏ ونظر إلى أمه نظرةً‏ فهمت غرضه منها بينما

سعدون يتشاغل بجمع ما تفر َّق بني يديه من ورق كتابه استعدادًا للخروج.‏ فابتدرته

زبيدة قائلة:‏ ‏«أما وقد بدا لنا منك هذا العلم الواسع في استطلاع الغيب فأخبرنا عما

يجول في خاطري وخاطر أمري املؤمنني.»‏

فأدرك أن املأمون أهم ما يمكن أن يجول في خاطرهما وقتئذٍ‏ فقال:‏ ‏«يجول في

خاطركما أشياء كثرية أهمها يمس رجلاً‏ في خراسان تحذرونه ويحذركم،‏ وقد تخافونه

وهو أشد خوفًا منكم.»‏

فوافق قوله ما في نفسها فقالت:‏ ‏«صدقت،‏ وماذا ترى بعد ذلك؟»‏ فأعاد النظر في

الكتاب طويلاً‏ حتى ظهر الاهتمام في جبينه وتصب َّب العرق منه،‏ ثم رفع نظره إليها

وقال:‏ ‏«لا أرى مناصً‏ ا من تجريد السيوف.»‏

قالت:‏ ‏«ومن يُجردها؟»‏ قال:‏ ‏«إنما يظفر السابق وعلم املستقبل عند الله.»‏

فالتفتت إلى الأمني ولسان حالها يقول:‏ ‏«ألم أقل لك بادر إلى خلعه قبل أن يخلعك؟»‏

فقال الأمني:‏ ‏«وقد أشار وزيرنا الفضل بخلع عبد الله،‏ فإذا لم يُذعن حملنا عليه

بالجيوش،‏ فهل نغلب؟»‏

فتناول الكتاب ثانية وقلب عدة صفحاتٍ‏ ثم قرأ ونظر إلى السماء من نافذةٍ‏ في تلك

القاعة،‏ وأخرج قلمًا من منطقته وغطسه في املِداد وكتب وحسب ثم قال:‏ ‏«قلت ملولاي

176

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!