18.06.2023 Views

ماكو فضاء حر للابداع -2-2023

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

كما فعل الفنان االسباني غويا يف لوحة إعدام<br />

الثوار حيث تبدو الوجوه واألعني مفزوعة<br />

حلظة مواجهة املوت ‏»اإلعدام«‏ .<br />

كذلك نرى الرأس متفاعال مع ال<strong>فضاء</strong><br />

اخلارجي،‏ حيث تتدخل الطبيعة من غبار<br />

وهواء وعوامل تعرية وأعشاب نابتة يف الرأس<br />

وثقوبه،‏ وتتحول منحوتة الرأس إلى مساحة<br />

للتالمس والتفاعل املباشر،‏ الشكل والكتلة<br />

وامللمس بأنواعه،‏ لينسرب الرمز الفلسفي<br />

كمسار إلى ذهنية املشاهد عبر تفحص الرأس<br />

يف مقاربات بني الذاكرة والواقع،‏ كنظام<br />

فكري ينتظم يف سياق ثقافة املتلقي.‏ رأس<br />

ينظر إلى أفق الطيران مت<strong>حر</strong>راً‏ من هواجس<br />

جدران العروض املغلقة،‏ يحتك مباشرة بالهواء<br />

وزخّ‏ ات املطر املتتالي واملتقطع ليصبح خزّاناً‏<br />

من العالمات واحليوية املتحولة واملتبدلة،‏ إذ<br />

الطبيعة تتدخل يف مكونات وجوده الفلسفي يف<br />

فراغ احلديقة.‏ يقدم هذا الرأس املعشوشب<br />

قدرة كامنة ألسئلة رمبا تكون فطرية ويف<br />

بعضها عميقة،‏ لكنه يبقى صامداً‏ أمام كل تلك<br />

املناكفات التي يتعرض لها من أنفاس املشاة<br />

وعبث األطفال.‏<br />

حتوالت الرأس يف السطح التصويري:‏<br />

لم يترك على طالب حلظة يف غبطة الرسم إال<br />

وكان الرأس أو الوجه مرآة ملخيلته،‏ كنرسيس<br />

الذي أطال النظر إلى وجهه يف إرجتاج املاء،‏<br />

فيتحول الرأس إلى مساحات أكثر نعومة<br />

وغنجاً‏ من خالل املقطع اجلانبي للرأس<br />

‏»بروفايل«،‏ ليتبدل املشهد الذكوري للرأس<br />

ويستحيل إلى وجه أنثوي مشوب بالعشق<br />

والفقد،‏ رومانسية من نوع جارح،‏ وجه متوج<br />

بإكليل من الزهور التي جاءت مبشهد تاج يعتلي<br />

الرأس،‏ الوجه الصامت واملتأمل يف جدار قد<br />

طاله الصمت كذلك.‏<br />

يغرق اجلسد يف ألوان داكنة ليبرز الوجه<br />

بصورة القداسة واجلالل،‏ كما لو أن ذلك<br />

الوجه املتأمل يواجه مرآته احلقيقية،‏ عاكساً‏<br />

البعد النفسي يف وجوده،‏ حالة التصلب<br />

الصامت واملعبأة بطاقة تعبيرية قوية تكاد أن<br />

تنفجر يف حلظة ما.‏<br />

حتى يصبح عنصرا إيحائيا يغرق مبنطق<br />

الرومانسية الفردية،‏ محققاً‏ حضوره الذاتوي<br />

املشوب بشهوانية استيهامية ومكتومة،‏ ممتلئاً‏<br />

بالرغبة الثاوية املتحققة بحيوية األلوان وقوة<br />

وجودها .<br />

تشير الناقدة مي مظفر إلى تلك املسألة<br />

بقولها:«يتكرر الرأس واملرأة يف أعمال علي<br />

طالب بشكل أو بآخر،‏ وكالهما موضوع<br />

قدمي جديد لديه.‏ فالفرد هنا كيان حاضر<br />

شكالً‏ وغائب مضمونًا،‏ ألنه يف واقع األمر<br />

كيان مغّيب:‏ فهو إما رأس مغرق بالتفاصيل<br />

‏)الذكريات(‏ الكثيفة التي حتجب مالمحه<br />

فتحيله إلى شكل متحجر،‏ أو امرأة تتخفى<br />

حتت قناع أو زينة مبهرجة،‏ ويف كال احلالني<br />

تبدو احلقيقة ملتبسة،‏ وذلك ما يجعل<br />

املشاهدة أو املشاهد طرفًا يف لعبة احلضور<br />

والغياب«.‏<br />

إنها السياق املرآوي الذي تسعى إلى إظهار<br />

اإلرث البصري املتمثل يف طبيعة معاجلة<br />

املوضوع الذي يحمل يف عناصره مجموعة من<br />

الرسائل اجلمالية والعاطفية والسياسية يف آن<br />

واحد.‏<br />

حتوالت الرؤوس املبصرة ألى رؤوس<br />

عمياء حتلم باحلياة:‏<br />

إن تلك الرؤوس املصابة بالعمى أو املعماة تعد<br />

حتوالً‏ جديداً‏ لدى علي طالب،‏ وهي رؤوس<br />

ملغزة حتيلنا إلى مشاهد أبو غريب ومشهدية<br />

املوت القسري واإلعدام الذي انتشر مع داعش<br />

وغيرها من التيارات املتعصبة وصوالً‏ إلى<br />

اعدامات السلطات السياسية ملعارضيها.‏<br />

يشكل الغطاء الذي يحتل العينني صورة<br />

تراجيدية أخرى من األفكار التي يقدمها علي<br />

طالب يف أعماله،‏ فهو احلاجز الذي يقف بني<br />

الفكر واخلارج،‏ حاجز مانع لرؤية احلقيقة،‏<br />

ويعكس ما نعيشه اليوم يف زمن بات فيه األلم<br />

يشكل حيزاً‏ هامّا جرّاء االحتالل واحلرب<br />

واإلرهاب واالضطهاد والتمييز العنصري<br />

والقمع واالنتهاك املستمر حلرية الفرد،‏<br />

ما أحدث اختالالً‏ يف املنظومة السياسية<br />

واالجتماعية واالقتصادية واالبداعية،‏ فضالً‏<br />

عن مجموعة التراكمات والتبعيّة التي أفضت<br />

إلى توتّرات نفسية وآالم ومعاناة.‏ فاأللم شكل<br />

احملرّك الرئيس لإلبداع اإلنساني بوصف<br />

الفنان غير منعزل عما يدور فيه وحوله.‏<br />

يتحوّل األلم إلى نتاج إبداعي توّاق لترسيخ<br />

وجتسيد تلك املشاعر املؤملة،‏ والفنان علي<br />

طالب هو ابن مأساة العراق عبر حتوالتها<br />

السياسية،‏ وما وقع عليها من إرهاب سياسي<br />

واجتماعي،‏ وصوالً‏ إلى تداعيات االحتالل<br />

األميركي للعراق ومخرجات الوحشية يف سجن<br />

ابو غريب.‏<br />

اجلسد وحتوالته يف الظهور واحملو:‏<br />

تأخذ متثالت اجلسد يف اعمال علي طالب<br />

مساحة مهمة يف بلورة مفاهيمه املعرفية<br />

والثقافية عبر تأ كيد اجلانب االنساني،‏<br />

وهو مبثابة مُرسِ‏ ل لألفكار ومحفز لألسئلة،‏<br />

فاجلسد لديه ليس جسداً‏ واقعياً‏ بقدر ما هو<br />

متخيل ينتمي إلى واقعه،‏ حيث يتحول اجلسد<br />

يف سياق شجرة ممتلكا مجموعة من األرجل<br />

تشير إلى <strong>حر</strong>كة املشي وتردداته من خالل<br />

متوالية تكرارية يف منطقة األرجل،‏ األرجل<br />

التي أحالتنا إلى فكرة احلركة األقرب إلى<br />

لقطة سينمائية ومتوالية لفعل واحد.‏<br />

لم يعد اجلسد الذي يقدمه علي طالب<br />

ذلك اجلسد املعتاد أو اجلسد املرئي الذي<br />

نعرفه،‏ بل هو ذلك الشكل الذي يحمل صفات<br />

اجلسد لكنه بتاريخ جديد يتحول يف وجوده<br />

عبر <strong>حر</strong>كات اختزالية يف اخلطوط والفعل<br />

الغرافيكي احلاد.‏<br />

جسد مبالمح ممحية ينتظر وإلى جانبه عنصر<br />

السفر واالرحتال:‏ ‏»حقيبة«.‏ تتداخل اخلطوط<br />

وتتماهى ليستحيل الشكل إلى فزاعة بال<br />

مالمح،‏ لكنه يعبر عن صورة التيه والضياع،‏<br />

التيه الذي ينسجم متاماً‏ مع منظومة اخلطاب<br />

املوجود يف مجموعة ‏»العمى«‏ .<br />

يؤكد علي طالب على منظومة من اجلماليات<br />

التي تختصر وجودها يف جملة واحدة حيث<br />

يتكرر اجلسد املنهك واملهزوم،‏ جسد الفزاعة<br />

التي تضربها الرياح العاتية،‏ جسد متهالك<br />

وتراجيدي،‏ يتحول إلى بناء مركزي ورمزي<br />

يعبر عن حالة جمعية وسايكولوجية.‏ جسد<br />

بال رغبة،‏ فما يقدمه هو محض جسد<br />

خرائبي يعلن عن نسيانه وامنحائه يف هواجس<br />

138

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!