18.06.2023 Views

ماكو فضاء حر للابداع -2-2023

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

علي طالب...‏ وحالة التساؤل<br />

عبدالرحمن منيف<br />

املصورون الذين يطرحون من خالل العمل الفني أسئلة على املشاهدين قليلون ألن<br />

السائد أن يكون العمل الفني إجابة على تساؤل أو حتقيقاً‏ لرغبة وطموح،‏ أي إنه جواب<br />

وليس سؤاالً.‏ هكذا يفعل أغلب الفنانني،‏ وهكذا تعود املشاهدون،‏ لذلك يجتهد الفنان أن<br />

تكون لوحته مكتملة،‏ محكمة،‏ كي تقوى على إيصال رسالة.‏ وحني يراود الفنان شك أو<br />

قلق من الرسالة التي حتملها لوحته قد ال تصل أو رمبا يشوب وصولها بعض االضطراب،‏<br />

فال يتردد يف أن مينحها عنواناً‏ داالً‏ وأغلب األحيان يكون العنوان فخماً‏ ضاجاً،‏ ليضمن<br />

عدم إمكانية وقوع خطأ يف قراءة اللوحة!‏<br />

هذه هي العادة،‏ أما أن حتل األسئلة يف<br />

اللوحة مكان اإلجابات،‏ أو أن ينكسر جزء من<br />

محيط الدائرة ليتسرب شعور بعدم اليقني<br />

أو شبهة احلير،‏ فأمر غير مألوف وقد يثير<br />

الظنون.‏ وإذا حصل،‏ وهو قليل،‏ يترك عالمات<br />

التعجب،إذ البد أن يكون وراء ذلك عجز يف<br />

قدرة الفنان أو نقص يف أدواته.‏ هكذا يفترض<br />

املتلقي يف ومن العمل الفني،‏ وهكذا ميارسه<br />

الفنان،‏ أي أنه جواب وليس سؤاالً،‏ وهو مبعنى<br />

ما،‏ يقني وعمل ناجز،‏ خاصة حني تتداخل<br />

األمور وتختلط.‏ لذلك ليس من السهل أن<br />

يقبل الفن كسؤال كما ال يتم التسامح معه<br />

إن حتول إلى احتمال أو حيرة.‏ وحني يحصل<br />

ذلك،‏ بشكل ما،‏ ينظر إليه الكثيرون بسلبية<br />

ويعتبرونه نقصاً‏ يف املعرفة أو الكفاءة،‏ متاماً‏<br />

كما يبدو صورة األب أو املعلم بنظر الصغار<br />

فيما لو أعلن عدم معرفته،‏ أو حني يظهر<br />

عجزه عن القيام بعمل ما.‏ فالصغار يفترضون<br />

يف آبائهم واملعلمني أنهم مثال للمعرفة<br />

الكاملة،‏ وأنهم املثال للقوة والكفاءة يف<br />

مواجهة أي عمل!‏<br />

الفنان حني يطرح إجنازه كتساؤل،‏ أو يعتبره<br />

مجرد احتمال من االحتماالت عديدة،‏ يضع<br />

نفسه يف املوقع الصعب،‏ إذ يُساء فهمه أوالً،‏<br />

ثم يصبح عرضة إلساءة التقدير،‏ خاصة من<br />

حيث الكفاءة.‏ فإذا ترافق ذلك مع تفسير أو<br />

تبرير،‏ أو ترافق مع مواقف ونظرة وسلوك<br />

فتصبح القضية أكثر تعقيداً،‏ وحتتاج إلى ما<br />

ينقضها،‏ أي إظهار اجلوانب اإليجابية التي<br />

تخفى غالباً‏ يف زحمة الشائع واملبتذل،‏ أو التي<br />

تضيع يف ركام السائد،‏ حيث يعتبر الكثيرون<br />

أن الفن استراحة سهلة،‏ وأنه تلبية للحاجات<br />

التي ميكن أن تشبع بوسائل أخرى عديدة،‏<br />

مبافيها التبادل،‏ أو عمليات اإلحالل،‏ كما<br />

هو حال األمور الثانوية القابلة للتعويض أو<br />

لالستغناء عنها.‏<br />

هذه املقدمة قد تكون ضرورية عند احلديث<br />

عن علي طالب.‏ فهذا الرسام الذي ولد يف<br />

البصرة،‏ عام 1944 ودرس الفن يف بغداد،‏<br />

وتخرج من أكادميية الفنون يف منتصف<br />

الستينات كما واصل دراسته واطالعه يف<br />

القاهرة يف منتصف الستينيات..‏ هذا الفنان<br />

ميثل ويلخص حالة التساؤل التي أشرنا<br />

إليها،‏ أي أنه بدا قلقاً‏ باحثاً،‏ متسائالً،‏ وكانت<br />

هذه الصفات متيزه عن غيره منذ البداية،‏<br />

أو جتعله مختلفاً،‏ مبقدار ما،‏ عن غيره من<br />

الفنانني.‏ ومبرور الوقت أصبحت هذه الصفات<br />

مالزمة،‏ بحيث حتوّل إلى منوذج لهذه احلالة<br />

التي تتطلب التأمل والقراءة ألنها حالة رغم<br />

ندرتها،‏ متثل ظاهرة صحيّة،‏ إذ حتول التعامل<br />

مع اللوحة إلى إعادة مشاركة يف بنائها،‏<br />

وتعطي الرتباطنا بالفن صيغة جادة التولد<br />

املتعة احلقيقية فقط،‏ بل وتدخلنا من الباب<br />

الضيق كما يقال،‏ باب التجربة واملشاركة وتتيح<br />

لنا أن نعايش،‏ مع الفنان،‏ املراحل التي متر بها<br />

اللوحة.‏<br />

ومن أجل الدخول إلى عالم هذا الفنان،‏<br />

البد أن نأخذ بعني االعتبار طبيعته اخلاصة<br />

وتكوينه،‏ ثم املرحلة التاريخية التي عاش<br />

خاللها وما جتاذب تلك املرحلة من جتارب<br />

وخيبات خاصة يف العراق وما انتهت إليه<br />

من نتائج.‏ هذه املناخات بعواملها املتعددة<br />

وتأثيراتها كونت له مزاجاً‏ ونظرة أقرب<br />

إلى احلزن،‏ ولذلك ولذلك فإن إحساسه<br />

بالفجيعة قدمي كما يقول،‏ ورمبا تكون مدينته<br />

األولى،البصرة،‏ عامالً.‏ إن ذلك مجرد افتراض<br />

يحتاج إلى تدقيق ثم إلى استكمال،‏ فإن<br />

يولد اإلنسان يف هذه املدينة حتديداً‏ وخالل<br />

تلك الفترة بالذات،‏ فإنه أوال يواجه عاملاً‏<br />

مضطرباً‏ موّاراً‏ خاصة وأنه يطل على الب<strong>حر</strong><br />

أو على منفذ يؤدي إلى الب<strong>حر</strong>.‏ ومعنى ذلك<br />

ثانياً‏ أن هذه املدينة نهاية الص<strong>حر</strong>اء وبداية<br />

عالم املياه الفسيح،‏ بكل ما يعنيه ذلك من<br />

رغبة اكتشاف اآلخر ورغبة املغامرة والوصول<br />

إلى األماكن القصيّة،‏ فإذا أضيف:‏ الذاكرة<br />

التاريخية للمكان واملتمثلة بقصص املغامرات<br />

والعجائب يرويها املسنون والتي ترد يف الكتب<br />

التي خلفها األقدمون،‏ فعندئذ تكون حصيلة<br />

نداء ال يهدأ يدعو إلى السفر واملغامرة،‏<br />

ومعهما التساؤل عما وراء هذه املياه من عوالم<br />

وغرائب.‏<br />

لقد كانت البصرة تاريخياً‏ املدينة التي<br />

تستقبل وتودع باستمرار،‏ إذ مبقدار ما تُغري<br />

بالسفر وركوب الب<strong>حر</strong> إلى األماكن البعيدة<br />

52

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!