حرية التعبير

حرية التعبري
كلماتهم في النشرات الإخبارية،‏ وكان الظن أن الكلمات في حد ذاتها ستكون أقل تأثريًا
عندما يلقيها بنبرة محايدة ممثل — يُفترض أنه لا يؤمن بها — بدلاً‏ من أن يلقيها جريي
آدمز أو مارتن ماجينيس؛ زعيما حزب ‏«شني فني».‏ أسفرت هذه السياسة الغريبة عن
نتيجة عكسية،‏ فكانت كل نشرة إخبارية بمنزلة تذكري غري شفهي بأن زعماء حزب ‏«شني
فني»‏ حُرموا شيئًا من حرية الكلام.‏
يوجد جانب آخر ملوضوع حرية الكلام نادرًا ما يُذكر،‏ وهو أنه في مناخ لا يشعر
فيه الناس بقدرتهم على التعبري عن آرائهم،‏ أو يُمنعون بقوة من ذلك،‏ ربما لا يمكنهم
ببساطة استيعاب الرأي املحظور،‏ فمعظمنا لا يدرك تحديدًا ما نفكر فيه إلا عندما نحاول
التعبري عن أنفسنا أمام جمهور أو على الأقل أمام جمهور محتمل،‏ ومعظم املفكرين
يطورون أفكارهم من خلال التفاعل مع آخرين يتفقون أو يختلفون مع ما يفكرون فيه،‏
صحيح أن بعض املعتقلني السياسيني يستطيعون نظم الشعر في أذهانهم،‏ لكن كاتبًا
استثنائيٍّا هو وحده من يستطيع الاحتفاظ برواية كاملة أو عمل بحجم كتاب أو عمل
واقعي في ذاكرته،‏ إضافةً‏ إلى ذلك،‏ تتطلب بعض أنواع الكتابة بحثًا على نطاق واسع،‏
وحينما تحظر الدولة التعبري عن أنواع معينة من الأفكار،‏ يكون الوصول أيضً‏ ا للمواد
املطلوبة من أجل التعبري عن هذه الأفكار بأسلوب مقنع ممنوعًا عادةً.‏ الحبس الانفرادي
أحد الأساليب الفعالة لفرض الرقابة ويُطَب َّق على نطاق واسع ضد الكُت َّاب واملفكرين
املعارضني،‏ بإمكان التهديد بالسجن أو التعذيب أو املوت قمع أنواع املناقشات التي تحفز
التعبري،‏ إلا أن التاريخ يعلمنا أن الكثري من الناس لا يهابون هذه التهديدات،‏ ويتحلون
بالشجاعة الكافية ليتكلموا حتى إن كان هذا يعني موتًا أكيدًا ومؤملًا.‏
(3) ما معنى ‏«حرية»؟
مي َّز الفيلسوف إشعيا برلني بني مفهومني للحرية:‏ السلبية والإيجابية،‏ تعني الحرية
السلبية غياب القيود،‏ فأنت حر في فعل أي شيء في هذا املنظور السلبي إذا لم يمنعك
أي شخص من القيام به،‏ لديك حرية الوقوف الآن إن لم يكن أحد يمنعك من ذلك،‏ في
املقابل،‏ تعني الحرية الإيجابية حرية تحقيق ما تريده فعليٍّا،‏ فربما تعاني — مثلاً‏ —
قيودًا نفسية داخلية تمنعك من التعبري عن نفسك كما تريد،‏ مع أن أحدًا لا يمنعك من
الكلام،‏ يرى برلني أنك حر باملنظور السلبي،‏ وليس الإيجابي.‏
أركز في هذا الكتاب على املفهوم السلبي للحرية،‏ فتاريخ حرية الكلام هو تاريخ
من املحاولات ملنع الأشخاص من التعبري عن آرائهم،‏ سواء بالرقابة أو الاعتقال أو
14