حرية التعبير

حرية التعبري
تقليدًا معينًا،‏ ذهب إليوت في شعره إلى أبعد من ذلك ووضع أجزاء صغرية من هذا التقليد
داخل شعره،‏ وأضاف هوامش لتوضيح مصادر هذه الأجزاء.‏
استخدم ويليام شكسبري حبكات درامية من مصادر تاريخية أو اعتمد على أفكار
معاصريه،‏ كذلك يقتبس املوسيقيون كثريًا من ألحان مؤلفني آخرين،‏ وعادةً‏ ما يكون فن
التجميع البصري إعادة لاستخدام الأعمال الإبداعية للسابقني،‏ لكن النتيجة تكون دائمًا
عملاً‏ جديدًا،‏ ففي كل شكل من أشكال الفن تقريبًا يعتمد أعظم املبدعني على أعمال
سابقيهم ويعيدون استخدامها؛ في بعض الأحيان بأسلوب مستتر،‏ وفي كثري منها بأسلوب
سافر،‏ والواقع أن هذا الاقتباس الانتقائي سمة رئيسية في عصر ما بعد الحداثة؛ إذ هكذا
يتطور الفن حسب اعتقاد الكثريين،‏ ينتُج الإبداع من الارتباط بفنون املاضي،‏ بالإضافة إلى
ذلك،‏ فإن الفن مجال يتطلب حرية؛ فهو املجال الذي يتجاوز فيه الأفراد حدود الامتثالية،‏
وكل قيد يفرَض يقضي على فرع محتمل من التطور الفني،‏ يوصَ‏ ف كثري من حالات إعادة
استخدام إبداعات املاضي بأنها مناسبة،‏ لكن بعضها جدير باللوم من الناحية الأخلاقية؛
لأن مبدعي العمل الجديد يتعمدون إعطاء انطباع بأنهم أصحاب هذه الأقوال،‏ لا أسلافهم.‏
تتسم املمارسة الفنية في عصر ما بعد الحداثة على الأقل بالطابع الانتقائي
والتجميعي نفسه املوجود في قصيدة ‏«الأرض الخراب»‏ لتي إس إليوت،‏ ففي حالة
استثنائية أعادت الفنانة شريي ليفني تصوير صور شهرية للمصور ووكر إيفانز من
كتالوج أحد معارضه،‏ عرضت ليفني صورها املطبوعة التي هي في الأساس إعادة إنتاج
لصور إيفانز الفوتوغرافية،‏ ويمكن القول إن استخدامها لهذه الصور كان مختلفًا تمامًا
عن استخدام إيفانز،‏ وإنه أسهم في العمل بكم من الأفكار،‏ والواقع أن معظم املعل ِّقني
يشريون إلى أنه ينبغي النظر إلى هذا النوع من الاستيلاء الصريح على أنه تعليق ما بعد
الحداثة على أفكار الابتكار والتأليف والأصالة في التصوير الفوتوغرافي،‏ وعلى هذا تكون
ليفني فنانة إدراكية في الأساس،‏ مع ذلك من الواضح أن عملها — الذي للمفارقة تجمعه
حاليٍّا صالات العرض الفنية الكبرى — تطفلي للغاية على الصور الأصلية التي التقطها
ووكر إيفانز؛ الواقع أن طبيعته التطفلية هي أساس ماهيته.‏
(6) حرية الكلام مقابل حقوق النشر
غري أنه ربما توجد قيود قانونية ‏(وأخلاقية)‏ على إعادة استخدام أقوال الآخرين وصورهم،‏
لكن ذلك لا يسري على كل الأقوال،‏ فكثري من الأقوال التي استولى عليها إليوت في قصديته
86