19.12.2015 Views

حرية التعبير

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

سوق حر للأفكار<br />

على صعيد آخر،‏ يشعر العديد من أصحاب الديانات املختلفة بأنهم يعلمون بوجود<br />

إله معني،‏ ويبنون حياتهم كلها على هذه املعرفة املزعومة،‏ إلا أن الآلهة املختلفة للديانات<br />

املختلفة لا يمكن أن توجد كلها معًا؛ فكثري منها يتعارض بعضه مع بعض،‏ فالتوحيد<br />

وتعدد الآلهة — على سبيل املثال — لا يمكن أن يكون كلاهما صائبًا،‏ هذا أمر منطقي،‏<br />

كذلك لا يمكن أن يوجد إله املسيحيني وإله املسلمني معًا،‏ إلا إذا أخطأت الديانتان جديٍّا<br />

في فهم طبيعة الإلهني،‏ مع ذلك يشعر املسيحيون واملسلمون على حد سواء بأنهم يعلمون<br />

حقٍّا بوجود إله معني،‏ بناء على رأي مِ‏ ل،‏ عليهم ألا يد َّعوا عصمة مطلقة من الخطأ؛ لأن<br />

البشر عرضة للخطأ بشأن كل أنواع املعتقدات.‏<br />

وعلى هذا،‏ يستنتج مِ‏ ل أنه من الخطأ ادعاء العصمة من الخطأ بالطريقة التي<br />

ينتهجها من يُسكت آراء غريه،‏ مع ذلك ربما تظن أن لدينا قدرًا كافيًا من اليقني بشأن<br />

بعض الأمور،‏ مما يجعلنا لا نقلق بشأن هذه املعارضة،‏ يرد مِ‏ ل بأن افتراض امتلاكنا<br />

للحقيقة وقمع أو تجنب الأصوات املعارضة،‏ يختلف كثريًا عن تبني رأي تعرض للتفنيد<br />

الصريح وخرج ساملًا بل أقوى مما كان عليه من قبل،‏ فعملية تعريض رأي ما لدراسة<br />

نقدية هي جزء ضروري من إثبات صحته بيقني كافٍ‏ لخدمة أهدافنا.‏<br />

يرى مِ‏ ل أن <strong>حرية</strong> معارضة رأي تقليدي هي أيضً‏ ا شرط للتطور الفكري والتقدم،‏<br />

ففي مناخ من التخويف ووجود خطر صريح أو ضمني للتعبري عن الآراء الهرطقية،‏<br />

يستطيع مَن لديهم الشجاعة فقط التعبري عن آرائهم علنًا،‏ أما الأكثر خوفًا فسيمنعون<br />

أنفسهم من بعض الأفكار وأشكال التعبري،‏ وفي املقابل يُعاق نموهم العقلي،‏ فادعاء أن<br />

للسلطات مبررها في إسكات من يعبرون عن آراء غري أخلاقية،‏ يشتمل أيضً‏ ا على افتراض<br />

خطري بالعصمة من الخطأ ربما يعيق تقدم الإنسان،‏ يستشهد مِ‏ ل بحالة سقراط وإعدامه<br />

في أثينا القديمة بزعم انعدام التقوى،‏ واملسيح في بلدة ‏«يهودية»‏ ملا اعتبرته السلطات<br />

تعاليم غري أخلاقية،‏ لم يثبت مع مرور الزمن في أي ٍّ من الحالتني صحة عصمة القضاة<br />

املزعومة من الخطأ،‏ فقد حكم التاريخ بأن سقراط واملسيح كانا جديرين بالاستماع<br />

إليهما،‏ وبأن أفكارهما جديرة باملناقشة.‏<br />

يرى مِ‏ ل أن اعتراف املرء باحتمال وقوعه في الخطأ هو ما يجعله مفكرًا جادٍّا،‏<br />

فاملعرفة الإنسانية تتطور عندما يدرك الناس أنهم ربما يخطئون،‏ حتى في املوضوعات<br />

التي تبدو أكيدة لهم،‏ تقتضي الحكمة الانفتاح على من يخالفوننا الرأي،‏ فعندما تتعرض<br />

أفكارنا للنقد وتؤخذ كل الاعتراضات بعني الاعتبار — مع البحث عن هذه الاعتراضات إن<br />

اقتضى الأمر — يصبح لدينا الحق في التفكري في آرائنا على أنها أفضل من آراء الآخرين.‏<br />

31

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!