حرية التعبير
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
توجيه الإساءة وتلق ِّيها<br />
في شهر نوفمبر من عام ٢٠٠٤ تعرض ثيو فان جوخ لطلق ناري لقي حتفه على<br />
إثره وهو يتجول بدراجته في أحد شوارع مدينة أمستردام، ثب َّت القاتل — محمد بويري<br />
— على صدر املخرج خطابًا من خمس صفحات به آيات قرآنية وتهديد لآيان حرسي<br />
التي اضطرت للاختباء لحماية نفسها.<br />
هل علينا التعامل مع تأكيد آيان بأنها لم تكن تعتزم استفزاز أي شخص على أنه<br />
مجرد خداع؟ لا توجد طريقة واضحة للحكم في هذا النوع من القضايا، يوجد تشابه<br />
كبري بني هذه القضية وبني رد الفعل الإسلامي على رواية «الآيات الشيطانية» لسلمان<br />
رشدي، وهو رد فعل يشري إلى وجود أزمة بني من يؤمنون ب<strong>حرية</strong> الفرد في التعبري عن<br />
املسائل الدينية والعديد من املوضوعات الأخرى على أساس أنها جانب غري قابل للنقاش<br />
في املجتمعات الديمقراطية املتحضرة، وبني من يصرون على أن دينهم ينبغي أن يُعامل<br />
بتقديس، وأنه لا ينبغي السماح بالتعبري عن أي شيء تجديفي من وجهة نظرهم.<br />
املسيحية والإسلام ليستا الديانتني الوحيدتني اللتني لا تتقبلان ما يوج َّه لهما من<br />
نقد أو ما يراه أنصارهما تدنيسً ا للمقدسات، وكما ذكرت في الفصل الثاني، في عام<br />
٢٠٠٤ انتهى الحال باحتجاجات السيخ ضد مسرحية «بيهزتي» لكوربريت كاور بهاتي<br />
باقتحام حشد يصل إلى أكثر من ألف شخص مسرح برمنجهام، وإصابة ثلاثة من رجال<br />
الشرطة، اضطرت كاتبة املسرحية إلى الاختباء للحفاظ على سلامتها. أوضحت بهاتي —<br />
تمامًا مثل آيان حرسي علي — أنها لم تتعمد الإساءة في عملها، فقالت:<br />
أنا لم أكتب مسرحية «بيهزتي» بغرض الإساءة؛ فهي عمل فني صادق أردت<br />
من خلاله استكشاف كيف أن العجز البشري قد يزج بالناس في سجن من<br />
النفاق.<br />
بالرغم من ذلك، كانت ملحة بسيطة عن الحبكة الدرامية كافية للإساءة إلى الكثري<br />
من املتظاهرين الذين لم يشاهدوا املسرحية باستثناء قلة منهم، كانت تداعيات اقتحام<br />
املسرح أكبر بكثري من القضية نفسها؛ فخطورة مثل هذه الأحداث أنها تتسبب في لجوء<br />
الكُت َّاب إلى الرقابة الذاتية خوفًا من العنف.<br />
إن اقتراح ضرورة التعامل الحذر من جانب الفنانني املبدعني وغريهم مع<br />
الحساسيات الدينية واسعة النطاق لكل من املسيحيني واملسلمني والسيخ وغريهم،<br />
وأن املعتقدات الدينية ينبغي تقديسها وحمايتها من الانتقاد — هو اقتراح غري مقبول<br />
55