حرية التعبير

حرية التعبري
مصدر ثقافي غني يجسد حقائق نفسية راسخة،‏ لمْ‏ يَسْ‏ لم الأبطال الدنيويون — أمثال
برتراند راسل — من املحاكاة الساخرة على يد فريق ‏«مونتي بايثون»‏ وغريهم،‏ فلِم تسلم
الرموز الدينية من ذلك إذن؟
إن فكرة حصول املعتقدات الدينية دون غريها على حماية خاصة فكرة غريبة؛ فكل
أنواع املعتقدات ينبغي أن تكون متاحة للتدقيق والنقد واملحاكاة الساخرة والسخرية
املحتملة في املجتمع الحر.‏ الواقع أن بعض الآراء لا يجدي معها إلا السخرية،‏ وسيكون
من غري الأخلاقي أن نأخذها بمحمل الجد،‏ أشار املمثل الهزلي — روان أتكينسون — إلى
هذه النقطة عند معارضته ملشروع قانون الكراهية الدينية الذي اقترحته اململكة املتحدة،‏
فقال:‏
ما الخطأ في تشجيع الكراهية الشديدة تجاه أحد الأديان؟ ملاذا لا ينبغي أن
تقوم بذلك،‏ إذا كانت معتقدات هذا الدين أو الأنشطة التي ترتكب باسمه
تستحق الكراهية الشديدة؟ ماذا لو كانت تعاليم هذا الدين أو معتقداته قديمة
الطراز أو زائفة أو مسيئة لحقوق الإنسان،‏ بحيث يكون عدم نقدها أمرًا
خاطئًا؟
يشري بعض أنصار حرية الكلام إلى أن التعبري املعتدل عن الآراء ليس وحده الذي
يحتاج إلى الحماية،‏ ففكرة أن حرية الكلام ينبغي أن تقتصر على املناظرة املنطقية في
أجواء شبيهة بالأجواء التي تقام فيها الندوات،‏ أو في أعمدة الصحف املطروحة طرحًا
وجيهًا،‏ ربما لا تعبر عن روح القيمة التي يريد كثري من الأشخاص الحفاظ عليها
عند حمايتهم لحدود حرية الكلام،‏ كذلك فإنها لا تنصف تاريخ حرية الكلام،‏ والأعمال
والتعبريات املشينة التي تعرضت للاضطهاد يومًا ما وأصبحت فيما بعد من الأعمال
املهمة والشهرية،‏ أشار الروائي فيليب هينشر — على سبيل املثال — إلى أن حرية
الكلام يجب ألا تشتمل فحسب على حرية انتقاد سياسة الحكومة في الصحف،‏ ومناقشة
معتقداتنا وحياتنا الجنسية وأعراقنا بجرأة وصراحة ودون خوف من أي تهديد،‏ بل
تشتمل أيضً‏ ا على حرية ‏«الصياح بكلام فج في وجه ديكتاتور زائر وهو يتجول في أحد
الشوارع في عربة ملكية».‏ ويؤكد على أن حرية الكلام يجب أن تشتمل على حرية هجاء
الدين والسخرية منه،‏ فيشري إلى أن ‏«تقد ُّم حرية الكلام عبر القرون لم يحدث بفضل
النقاش الهادئ والعقلاني،‏ بل بسبب التجاوز وانعدام املسئولية».‏
52