ماكو فضاء حر للابداع -4-2022

مع األسف الفرصة لكي التحق مبدرسة فن،‏
درست بدل ذلك اجلغرافيا.‏ حني وصل عمري
إلى 18 سنة،‏ أتيت إلى بغداد،‏ بدأت أدرس
اجلغرافيا بالرغم من حبي للفن بشكل كبير.‏
كنت مع ذلك أزور كلية الفنون اجلميلة،‏ وكان
لي فيها أصدقاء،‏ وكنت أزور مشغل األستاذ
فائق حسن وإسماعيل الترك.‏ بدأت أرسم
يف بغداد،‏ وحني حدثت لي مشاكل سياسية
بسبب األعمال التي كنت أقدمها،‏ خرجت
من العراق وأقمت بالسعودية يف ‏)رفحاء(.‏
بعد ذلك انتقلت إلى أميركا،‏ ألبدأ يف تقييم
حياتي والتفكير باخلطوة اجلديدة التي كان
عليّ‏ أن أخطوها.‏ قررت دراسة الفن،‏ وجاءتني
فرصة جميلة جداً،‏ فقد درست البكالوريوس
يف الفن،‏ يف جامعة نيو مكسيكو عام 1992،
وبعدها درست يف شيكاغو،‏ حيث حصلت
على درجة املاجستير يف الفنون من معهد
الفنون يف شيكاغو.‏ كان هذا ما بني 2001
و 2003، وأصبحت بعدها أستاذاً‏ مساعداً‏
يف العام التالي.‏ يف هذه الفترة،‏ أوليت للفن
والتكنولوجيا اهتماماً‏ كبيراً،‏ بعد أن كنت قد
درست الرسم والنحت وفن التنصيب.‏ وبعد
مرور السنوات األربع من دراستي،‏ قررت أن
أصب اهتمامي بالفن والتكنولوجيا،‏ وكانت
هناك طبعاً‏ تقنيات الفوتوشوب ووسائط مثل
االنترنت فتولعت بهما.‏ ويف العام 2001، حدثت
كارثة 11 سبتمبر التي أحدثت تغييرات كبيرة
يف العالم،‏ وعلى الصعيد الشخصي،‏ فقد نكبت
مبقتل أخي حقي يف الكوفة من قبل األميركان
بواسطة طائرة الدرون.‏ هذا احلدث غير يف
نفسي أشياء كثيرة،‏ غَيَّرَ،‏ أو حتى أنه ألغى
بعض احلدود التي كنت أضعها على ما أقدمه
يف فني.‏ يف تلك األوقات العصيبة كنت أسأل
نفسي عن الكيفية التي سأقدم فيها أعمالي
ليتم تفاعل أفضل بيني وبني املتلقي؟ بعد ثالث
سنوات من وفاة أخي حقي،‏ جاءتني فكرة أثناء
متابعتي ألحداث يف التلفزيون،‏ حني شاهدت
جنوداً‏ يتواصلون من على بعد مع طائرات
بال طيار.‏ ففكرت بشيء مشابه ضمن عمل
فني:‏ قمت بتهيئة منصة حلدث أولي اقترحته
كنقطة انطالق،‏ وبعد ذلك أدعو املتلقني إلى
املشاركة معي يف منوه.‏ قمت بتقسيم العمل
إلى منطقتني:‏ األولى هي ‏)منطقة الراحة(‏
zone( )Comfort والثانية اسمها ‏)مكان
احلرب(.‏ أردت من ذلك أن يدرك الناس كيف
يعيش العراقيون،‏ من خالل متكني هؤالء
الناس من إطالق النار على العراقي ‏)رمزياً(.‏
صُ‏ نِفَ‏ هذا العمل ب)‏art )interactive أي
الفن التفاعلي،‏ أال أنني أطلقت عليه عبارتي
encounter( )dynamic أي لقاء ديناميكي.‏
الفنان هنا يوصل الفكرة،‏ لكن بأي معنى؟ حني
تصنع عمالً‏ بهذا االجتاه،‏ يعني أنك لن تسمح
له أن يكون حدثاً‏ مكتمالً‏ منذ البداية،‏ بل
تكتفي بوضع نقطة انطالقه...‏ ملاذا؟ ألنه إذا
كان عمالً‏ كامالً،‏ فمعنى هذا أنك وضعت له
حدوداً،‏ أي وضعت النتائج )outcome( مسبقاً،‏
ما يعني أن العمل لن يكون متصفاً‏ باحلدث
الطبيعي الذي يتميز بعدم قدرتنا على التنبؤ
مبا ميكن أن يؤول اليه.‏ الفنان يقدم إذن بداية
للحدث،‏ ومن منصة مقترحة،‏ وهذه املنصة
ميكن لها أن تكون قاعة فنية أو مكاناً‏ مفترضاً‏
موصال باالنترنت.‏ سيتصف العمل إذن
بالديناميكية،‏ والواقعية،‏ بسبب كون الفنان لم
يحدد نهايته،‏ وعملي املعنون ب ‏)اطلق النار على
العراقي(‏ جعلني أفكر بهذا االجتاه...‏ ملاذا؟
نحن نحب تفاعل الناس مع أعمالنا،‏ إال أننا
حني نقدم عمالً‏ كامالً‏ لن يكون هناك تفاعل
داخل احلدث بل مراقبة تأملية من اخلارج،‏
أنا إذن،‏ أقدم عمالً‏ يتفاعل معه الناس بشكل
فعلي.‏
عمار:‏ هل تتفق معي،‏ ونحن ضمن هذا
السياق،‏ أن ما تقترحه يف عملك هو أقرب
ملنهجية التفاعل يف الفن احلدوثي happening(
،)art وأبعد طبعاً‏ من منهجية الفن األدائي
،)Performance( حيث أن األول يعتمد على
أن الفنان هو احملرك األول أو الطرف الذي
أوقد الفتيلة،‏ واملتلقون هم من يكملون عمله،‏
أما األدائي فهو ليس أكثر من استعراض ألداء
فردي،‏ أليس كذلك؟
وفاء:‏ صحيح،‏ لدينا الفنان األميركي آالن
كابرو Kaprow( )Allan الذي حدّد مالمح
فن احلدث.‏ طبعاً‏ فن األداء يعود يف تاريخه
إلى منجزات الفنانني اإليطاليني منذ عقد
العشرينات.‏ ما أريد أن أقوله يف مشروعي
اخلاص هو:‏ إذا كان الفنان الذي يصنع األداء
أو احلدث،‏ ويحدد نهاية للحدث فسيكون
النشاط بهذا املستوى غير تفاعلي،‏ وبهذا
التحديد سنضع الفروق بني النشاطني الفنيني.‏
عمار:‏ نستطيع القول إن العمل ينمو من خالل
العالقة الديناميكية بينك وبني اجلمهور أو
املتلقني املتفاعلني،‏ اليس كذلك؟
وفاء:‏ نعم بالضبط،‏ ما مييز فن احلدث هو
أن نهايته غير معروفة،‏ ولم يتم تصنيعها أو
تخطيطها مسبقاً،‏ متاماً‏ كما هو حديثنا اآلن،‏
فأنا وانت لم نتبع برنامجاً‏ ما للحوار منذ
البداية،‏ ولم نضع خطة له،‏ وبهذا يكون فن
احلدث أقرب للواقع.‏ إضافة إلى أن املنغمسني
يف احلدث هم أناس واقعيون،‏ يجلبون جتربتهم
ويدخلوها يف العمل.‏
عمار:‏ نعم،‏ هم مساهمون بصناعة احلدث،‏
ويحدث األمر قبل كل شيء من خالل نشاطهم
التفاعلي والعفوي،‏ وحتى لو كان هناك نص
مكتوب لطريقة البدء،‏ فسيتم التعامل مع
تلك الطريقة بحرية تامة،‏ أي كنقطة بداية
لالنطالق منها إلى املزيد من االرجتال
والعشوائية،‏ والتي تشكل تلقائياً‏ طبيعة احلدث
48