ماكو فضاء حر للابداع -4-2022

غير مدرك لذلك الوجود،‏ وهو بهذا يبحث
بصبر عن صادق الذي أراد له أن يكون،‏ يف
مكنون ذاته.‏ فهو إذن يف حالة انتظار لواحدة
من أهم املقابالت يف حياته،‏ وهي مقابلة ذاته
أو ذلك اجلزء اخلفي الذي كان يرافقه منذ
األمس وليس الغد كما هو غودو املنتظر يف
املسرحية.‏ هو إذن ال يحتمل فكرة انتظار
املجهول،‏ لذا هو يبحث عن غودو يف داخله،‏
وهو هناك،‏ يف الذاكرة واحللم،‏ ويف األماني
واآلمال،‏ وهو ذلك الذي يتمنى أن يكونه.‏
نستنتج من هذا كله،‏ أن الشخص الظل هو
غودو،‏ أو شبح غودو،‏ الذي ينتظره صادق يف
األمس،‏ الرجل الظل الذي معنا وليس معنا.‏
ويف واقع احلال أن هذا ليس هو العمل الوحيد
الذي يجعل الفنان فيه من ذاته موضوعاً،‏
وإمنا يف معظم أعماله الفنية التي عبرت
عن ولعه بتفاصيل األشياء التي أثثت ذاكرته
اليومية أثناء وجوده داخل العراق.‏
كما لو كان يأمل أن تؤدي هذه الكلمات وتلك
الرسالة إذا فتحت يف املكان املناسب،‏ ويف
الوقت املناسب،‏ إلى نوع من السحر،‏ مثل
افتح يا سمسم أو ابراكادابرا،‏ ويحمله القارب
إلينا.‏ لقد وضع حلمه على قارب،‏ وهو ال يعلم
أن قاربه املتواضع قد حملني إليه،‏ بدالً‏ من
إحضاره لي.‏ لم يكن يعلم أن قاربه كان يف
الواقع قاربي الذي كنت أحلم به،‏ قاربي الذي
ميكنني أن أركبه ملغادرة منزلي وعائلتي ووطني
عندما كنت صغيراً‏ وتواقاً‏ للهروب من البؤس
ألستكشف العالم،‏ هو اآلن،‏ نفس القارب الذي
أحلم بأن يعيدني إلى هناك عندما كنت طفالً،‏
محتضناً‏ مالعب طفولتي التي امتدت بني
عتبات منزلنا إلى اآلفاق الشاسعة.‏
يبني صادق روايته على رسالة الصبي علي
وأحالمه يف الهجرة،‏ وهناك حواران يف هذا
يعبر هذا العمل وغيره عن لوعة الفنان بسبب
غربته عن ذاته،‏ وعن رحلة البحث عنها،‏ وكيف
يفقد أشياء ويعثر على أخرى.‏ اشياء كمثل
أشياء العائلة،‏ كاخلزانات،‏ واملالبس،‏ والبومات
الصور،‏ واألماكن التي غابت عن الذاكرة،‏
وحديقة األمة،‏ والبيت الذي بناه أبيه.‏
يروي كويش يف عمل آخر بعنوان ‏»قارب علي«‏
حكاية الفتى علي ذو األحد عشر ربيعاً.‏
يتكون العمل من ثالثة أفالم أنيميشن وسلسلة
من الرسومات والدفاتر والرسائل،‏ ومجسم
لقارب.‏ صنعت الرسوم املتحركة الرئيسية
للفيلم القصير بالفحم األسود،‏ والعمل
مستوحى من رسالة أرسلت للفنان من قبل ابن
أخيه الصبي الصغير الذي يعيش يف بغداد.‏
ماهي حكاية علي ورسالته كما جاءت يف رواية
صادق كويش لألحداث؟
يقول صادق:‏ ‏»علي هو ابن أخي األصغر،‏ فتى
صغير التقيته بضعة أيام يف بغداد عام ٢٠٠٩
وكان ذلك ألول مرة.‏ يف الصباح الذي كنت
متوجهاً‏ فيه إلى املطار،‏ سلّمني ظرفاً‏ مغلقًا
وطلب مني بصدق أن ال أفتحه حتى أصل
إلى منزلي يف هولندا.‏ ولقد حافظت على
وعدي،‏ ولم أفتح الرسالة املزينة بشكل جميل
إال عندما وصلت إلى املنزل.‏ يف الرسالة كتب
أسماء أطفالي ومن ضمنهم اسمه،‏ ووضع يف
منتصف الرسالة رسم قارب صغير كتب يف
األسفل:‏ ‏»أمتنى أن تأخذني رسالتي إليك«،‏
96