20.12.2022 Views

ماكو فضاء حر للابداع -4-2022

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

املياه بالكامل ما اضطر سكانها لالنتقال إلى<br />

مكان آخر.‏ كانت مثل احلكايات الشعبية.‏<br />

أما والدتي فمسقط رأسها بغداد،‏ ولم تزر<br />

مدينة عانة مطلقاً،‏ ولرمبا كان ذلك سبب<br />

عدم شعوري باالنتماء لتلك املدينة.‏ أما عندما<br />

بدأت أبحث يف املوضوع،‏ فقد تبني لي شيئاً‏<br />

فشيئاً‏ أنه لم يكن مجرد موقع تعرض للتدمير<br />

من قبل جماعة ‏»داعش«‏ اإلرهابية،‏ إذ إن<br />

هذه املنارة نُقلت يف ثمانينيات القرن املاضي<br />

لغايات بناء السد،‏ وقد تعرضت للتدمير من<br />

قبل جماعة القاعدة يف عام 2006 ثم أعيد<br />

بناؤها وتدميرها مرة أخرى،‏ وال توجد أي<br />

مصادر توثق ذلك،‏ ال توجد أي معلومات سوى<br />

بعض الصور على شبكة اإلنترنت،‏ ثالث منها<br />

تعود ألرشيف ‏»غيرترود بيل«‏ منذ عام 1909.<br />

وهنا بدأت يف مراسلة معاريف يف العراق<br />

وسؤالهم عما إذا كانوا يعرفون أي شخص<br />

يف مدينة عانة،‏ ويعرف هذه القصة.‏ كنت<br />

أريد أن أعرف املزيد عنها؟ وقد تصادف<br />

أن دلني أصدقاء أصدقائي على عالم آثار<br />

يدعى ‏»يوسف الدهام«‏ علمت أنه شارك يف<br />

هذا املشروع،‏ فتواصلت معه وقلت له:‏ ‏»لقد<br />

توصّ‏ لت إلى هذه القصة،‏ فهل لديك املزيد من<br />

املعلومات؟«.‏ اتضح لي بأن له دورأ جوهرياً‏<br />

وهاماً‏ نظراً‏ لعمله يف دائرة اآلثار يف مدينة<br />

عانة لدى وقوع االنفجار يف عام 2006، بل إنه<br />

كان الرجل األساسي الذي قاد جهود إعادة<br />

البناء مببادرة شخصية منه،‏ إذ لم يكن هنالك<br />

أي دعم حكومي – ولقد حصلوا على منحة<br />

مالية بسيطة،‏ لكن لم يكن هناك أي اهتمام<br />

باملبادرة بحد ذاتها.‏ أطلعني السيد يوسف على<br />

جميع مراحل عملية إعادة البناء،‏ وعلى تاريخ<br />

املنارة،‏ كما أخبرني بأن لديه صوراً‏ ووثائق<br />

خاصة عن هذا املوضوع.‏ عندها قررت القيام<br />

بزيارة العراق.‏ ذهبت يف عام 2018 والتقيته يف<br />

متحف العراق حيث قمنا بجولة كاملة لالطالع<br />

على تاريخ العراق ثم مشينا بجوار النموذج<br />

املصغر ملنارة مدينة عانة.‏ يف وقت الحق من<br />

عودتنا إلى املنزل،‏ أحضر جهاز احلاسوب<br />

احملمول خاصته وأطلعني على مجموعة واسعة<br />

من الوثائق والصور تضمنت أدق التفاصيل،‏<br />

مبا يف ذلك صورة إلشعار الدفع مقابل<br />

استخدام املنشار لتقطيع املنارة إلى أجزاء لدى<br />

نقلها.‏<br />

فكرت:‏ ‏»ماذا علي أن أفعل بكل تلك الوثائق؟«.‏<br />

يف هذه األثناء تقريباً،‏ تواصل معي مركز<br />

جميل للفنون ملعرفتهم بقيامي بهذا البحث<br />

يف العراق،‏ وأخبروني بأنهم باشروا برنامجاً‏<br />

جديداً‏ يسمى ‏»حلقات املكتبة«.‏ كانت فرصة<br />

بالنسبة لي لتفحص هذا احملتوى،‏ وفهمه،‏<br />

وفهرسته،‏ وحتليله وتنظيم عرض أولي له.‏ كما<br />

قمنا بتوجيه الدعوة للسيد يوسف لزيارة دبي<br />

للحديث أكثر عن تلك املنارة،‏ وعن التحديات<br />

التي تواجه املختصني يف توثيق التراث يف<br />

املناطق التي تشهد نزاعات.‏ وقد أخبرني<br />

بوجود املئات من التالل التي لم يجر التنقيب<br />

فيها وتفحصها بعد،‏ وكيف يقوم أحد احلراس<br />

مبراقبة 50 منها لوحده!‏<br />

علمت بأن املنارة قد حتولت إلى أنقاض<br />

لدى تدميرها،‏ ولم يتبق منها سوى احملاريب<br />

املنحوتة على واجهتها،‏ وهي العنصر<br />

املعماري األكثر أهمية ومتيزاً.‏ وأشار السيد<br />

يوسف إلى صناعة هذه القوالب لتغطيتها<br />

وحفظها وهي قوالب ال تزال موجودة.‏<br />

لقد استحوذت تلك القوالب على اهتمامي<br />

باعتبارها البقايا الوحيدة من املنارة،‏ وقررت<br />

أن أعيد استخدامها لصنع مشروع مدينة<br />

عانة للمشاركة يف معرض التراث الذي جرى<br />

تنظيمه خالل ‏»حلقات املكتبة«.‏ لذلك عدنا إلى<br />

العراق وأعدنا تشكيل القوالب،‏ وكانت الفكرة<br />

هي إيجاد نسختني لتبقى إحداهما يف عانة<br />

فيما تستخدم النسخة األخرى لغايات املعرض.‏<br />

كنت أتفحص قوالب اجلبس املعروضة يف<br />

متحف ‏»فيكتوريا وألبرت«‏ وكيف مت البحث<br />

عن قوالب اجلبس بعد سنوات طويلة لتكرار<br />

النسخ األصلية عند جتديد املواقع.‏ لقد<br />

أصبحت فكرة صناعة القوالب ذات أهمية،‏<br />

وعرضت ذلك العمل من خالل مقطعني<br />

مصورين أحدهما لرجل يصطحب أطفاله إلى<br />

ضفة النهر ويحدثهم عن املنارة قبل شهرين<br />

من تعرّضها للغمر باملياه.‏ وقد بدا األمر كأنه<br />

ينقل هذه املعرفة ويتأكد من احتفاظ أطفاله<br />

باملعلومات املتصلة بهذه األيقونة يف ذاكرتهم<br />

قبل نقلها إلى موقع آخر،‏ حيث كان الرجل<br />

يغني مقطعاً‏ حزيناً‏ يتحدث عن اخلسارة.‏<br />

أما املقطع الثاني فيتضمن لقطات تصور<br />

ارتفاع منسوب املياه التي أغرقت املدينة ولم<br />

يتبق أي شيء منها واضحاً‏ للعيان سوى قمم<br />

أشجار النخيل..‏ وكان ذلك مدهشاً!‏ لقد فقد<br />

السكان مدينتهم مثلما فقدوا أسلوب حياتهم،‏<br />

واملنارة هي الشيء الوحيد الذي بقي لهم من<br />

مدينتهم،‏ وهذا ما يفسر تعلقهم بها و<strong>حر</strong>صهم<br />

على إعادة بناءها.‏ إال أن ذلك األمر مزعج لي<br />

على الصعيد الشخصي على الرغم من تفهمي<br />

لوجهة نظر املجتمع لها.‏ فنحن إزاء عملية<br />

إعادة بناء إلعادة بناء سابقة يف ظل غياب أي<br />

صلة مادية أو تاريخية،‏ واألمر يقتصر على<br />

إعادة إنشاء صورة ملا كان موجوداً‏ من قبل.‏<br />

‏)مايسة(:‏ هل شعرت بأي نوع من التضارب<br />

لدى تعاملك مع األرشيف،‏ ال سيما األرشيف<br />

اخلاص بعائلتك،‏ مبا يشعرك بضرورة فصل<br />

اجلانب الشخصي عن اجلانب العملي أم أنه<br />

مشابه للقصة اجلماعية؟ هل تشعرين باالرتياح<br />

بكون أرشيف عائلتك وقصتها جزءاً‏ من ذلك<br />

التاريخ؟<br />

‏)رند(:‏ أعتقد بأن اجلانب املرئي كان ظاهراً‏<br />

كثيراً‏ يف البداية،‏ ويتضمن مشروعي الذي<br />

حمل اسم ‏»ترميمات«‏ الكثير من املالمح<br />

الشخصية،‏ لكنها بالتأكيد غير ملحوظة مثل<br />

رائحة الغاردينيا وما تشكله من أهمية ألمي<br />

حني تعود لذكرياتها يف حديقة املنزل،‏ أو<br />

ذلك املجسم لكتف والدي الذي يحمل صورة<br />

أجدادي.‏ ميكن القول بأن املساحة الشخصية<br />

كانت موجودة إال أنها كانت بارزة يف ذلك<br />

العمل بالتحديد،‏ وإن لم تكن مرئية أبعد من<br />

ذلك.‏ أما يف مشروع مهرجان ‏»شباك«،‏ فطُ‏ لب<br />

مني التعاون مع اجلالية العراقية يف لندن،‏<br />

وتساءلت كثيراً‏ كيف ميكنني فعل ذلك وأنا<br />

ال أمثل جزءاً‏ منها.‏ كانت تلك اللحظة التي<br />

أعادتني لذاكرة الطفولة..‏ إذ تذكرت أموراً‏<br />

شخصية للغاية عن نشأتي يف منزل يحتفظ<br />

بتلك األشياء التي تعني لي الكثير،‏ حتى وإن<br />

كانت مجرد مجسمات مصنوعة من الطني أو<br />

كتاب لوصفات الطهي،‏ أو أي شيء آخر.‏ قررت<br />

التعامل مع ذلك املشروع من جتربة شخصية<br />

بحتة وثرية يف الوقت نفسه لدرجة تأثيرها يف<br />

رند عبد اجلبار،‏ مناذج ابداعية متنوعة<br />

12

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!