20.12.2022 Views

ماكو فضاء حر للابداع -4-2022

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

مجلة الكترونية تهتم بتاريخ الفن العراقي، تتابع نشأته في القرن الماضي وما حصل من تبدلات في الاسلوب والرؤيا، مع اهتمام بنشر ما يتوفر من وثائق وصور ذات علاقة بهذا التاريخ.

SHOW MORE
SHOW LESS

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

أجبته:‏ أنا أحمل جواز سفر ‏)األبيض(‏<br />

التفت اجلميع نحوي.‏ شعرت باحلرج وأنا<br />

أدلّه على مكان ختم األبيض.‏ عبس الشرطي<br />

واشتط غضباً،‏ ثم صرخ بوجهي:‏ ال ترفع يدك<br />

بوجهي!‏ ثم تناول جهاز االتصال ودعا زميله<br />

الشرطي اآلخر للحضور.‏<br />

كانت اإلنسانية املزعومة يف عيونهم حتثّني<br />

على الصمت..‏<br />

وعلى جلم احتجاجي والسير بهدوء<br />

فجأة،‏ وجدت نفسي متهماً‏ ومرغماً‏ على<br />

مغادرة الطابور.‏<br />

قال الشرطي:‏ االسم ‏...العنوان<br />

ردّدت يف سري:‏ أنا ... ولون شعري فحمي…‏<br />

ولون عيني بني!‏<br />

...<br />

ولم مير الوقت - كما شعرت به – بسرعة.‏<br />

غير أنني بعد كل هذا،‏ حلقت يف الدقائق<br />

األخيرة بالطائرة،‏ وها أنا وحيداً‏ أجلس على<br />

املقعد املخصص لي فيها.‏<br />

إثر هذه املالبسات،‏ وجد محمود العبيدي<br />

يف ‏)الكوموفالج(‏ ‏)وبالعربية:‏ التمويه(،‏ حالً‏<br />

ساخراً‏ ملعاجلة تلك اإلشكالية،‏ كما فعل عادل<br />

عابدين من قبله يف عمله ‏)مناديل التاريخ(.‏<br />

يقترح علينا العبيدي من خالل العدسات امللونة<br />

الالصقة ومستحضرات التبييض وأصباغ<br />

فروات الرأس،‏ وصفات س<strong>حر</strong>ية تخلصنا،‏ نحن،‏<br />

ذوي اجللود السمراء،‏ من مخالب العنصريني<br />

‏)البيض(‏ الغربيني،‏ ومن النظرات التي تنم عن<br />

االستعالء والعجرفة.‏<br />

كان للحادثة هذه مدلوالت نفسية مؤملة،‏<br />

وإرهاب معنوي ولقد صوّر مثيالتها من<br />

املواقف والسلوكيات املشينة الكثير من<br />

الفنانني،‏ ومنهم الفنان األميركي ميشيل<br />

باسكيات والبريطاني بانكسي،‏ رسام الشوارع.‏<br />

إال أن العبيدي يقلب الطاولة بوجه ذلك<br />

اخلطاب السردي الرتيب ورثاء الذات البائس،‏<br />

ليرفع راية التهكم على التفوق املزعوم للعرق<br />

األبيض.‏ يف صورة بيان لقرار وضع خط<br />

لصناعة السحنات البيضاء.‏<br />

وضع العبيدي اسما لهذا املنتج وهو:‏<br />

FAIR SKIES او OBAIDISM<br />

وفيه يقترح مساحيق ومستحضرات ‏)عبيدية(‏<br />

لتبيض اجللود،‏ وأصباغ للشعر،‏ وعدسات<br />

زرقاء،‏ ودهان مثبت.‏<br />

تلك هي إذن مستحضراته للوصول إلى<br />

مالمح عرق أبيض سيحلق بنا عالياً‏ نحو<br />

سماوات عادلة يقطنها هذا اجلنس وحده،‏<br />

سماوات عادلة متنحنا مصائر رائعة قرب<br />

اإلنسانية املزعومة.‏ ليس هذا فحسب بل<br />

وسيمنحنا املستقبل:‏ ذلك املستقبل الذي<br />

يقطنه األشخاص الذين سجلهم يونسكو<br />

بطريقته العبثية الساخرة يف إحدى نصوصه<br />

يف مسرحيته املعنونة ب)املستقبل يف البيض(:‏<br />

‏»سياسيون رؤساء أسياد أبطال جواسيس<br />

قتلة ملوك أباطرة جزارون برغماتيون<br />

ليبراليون دميقراطيون ماركسيون <br />

سرياليون مفكرون علماء وصوليون <br />

ماديون نفعيون وحوش عبثيون وجوديون<br />

عدميون ساخطون ناقمون مكتئبون <br />

كهنة حاقدون لصوص كارهون أنانيون<br />

نرجسيون فضوليون غدارون سفاحون <br />

قضاة انسانيون وحوش فالسفة ثرثارون<br />

مزيفون ارهابيون عنصريون متطرفون<br />

بائعو الهوى طموحون جبناء،‏ ينتظرون<br />

فرصة عشائريون متعصبون متحضرون<br />

متخلفون شموليون دكتاتوريون برابرة <br />

مستوطنون ساللم وأحذية أشقاء مزيفون <br />

أصحاب أعداء«.‏<br />

نستشف يف عمل العبيدي املذكور آنفاً‏ وصفات<br />

من قبيل:‏ املساحيق العبيدية،‏ وغيرها من املواد<br />

التي متنحنا املرور بسالم من غير نظرات<br />

االزدراء.‏ هي إذن املستحضرات التي ستزيل<br />

عنا هموم الذل واإلذعان.‏<br />

ال يكتفي العبيدي بتلك املستحضرات،‏ بل<br />

يسجّ‏ ل أيضاً‏ بعض التحذيرات من قبيل:‏ ليس<br />

هناك من أعراض جانبية،‏ فهي ال تخدش<br />

الكرامة اجلريحة.‏<br />

وثمة فقط،‏ شعور وقتي بالفقدان،‏ وشيء من<br />

اخلذالن.‏<br />

تذكرت يف معرض حديثي هذا القول البليغ<br />

للكاتب املاغوط:‏ ‏»هكذا أريدك أميراً‏ ... عارياً‏<br />

مذعوراً‏ حتت ثلج اإلنسانية ونار الهوية«‏<br />

لم يكتف العبيدي بتصعيد قضية التمييز<br />

العنصري،‏ بل حثّنا على إمعان النظر يف<br />

83

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!