BOOK 79
BOOK 79
BOOK 79
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
كان ينظر إلى أشخاص الظباء كلها، فيراها على شكل أمه وعلى صورتها<br />
فكان يغلب على ظنه أن كل واحد منها إنما يحركه ويصرفه شيء هو مثل<br />
الشيء الذي كان يحرك أمه ويصرفها، فكان يألف الظباء ويحن إليها<br />
لمكان ذلك الشبه.<br />
وبقي على ذلك برهة من الزمان يتصفح أنواع الحيوان والنبات، ويطوف<br />
بساحل تلك الجزيرة ويتطلب هل يرى أو يجد لنفسه شبيهاً حسبما يرى<br />
لكل واحد من أشخاص الحيوان والنبات أشباهاً كثيرة فال يجد شيئاً من<br />
ذلك وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل جهة فيعتقد أنه ليس في<br />
الوجود سوى جزيرته تلك.<br />
واتفق في بعض األحيان أن انقدحت نار في أجمة قلخ ))) على سبيل<br />
المحاكة. فلما بصر بها رأى منظراً هاله وخلقا لم يعتده قبل فوقف<br />
يتعجب منها ملياً وما يزال يدنو منها شيئاً فشيئاً فرأى ما للنار من الضوء<br />
الثاقب والفعل الغائب حتى ال تعلق بشيء إال أتت عليه وأحالته إلى<br />
نفسها فحمله العجب بها وبما ركب الله تعالى في طباعه من الجراءة<br />
والقوة على أن يمد يده إليها وأراد أن يأخذ منها شيئاً، فلما باشرها<br />
أحرقت يده فلم يستطع القبض عليها فاهتدى إلى أن يأخذ قبساً لم تستول<br />
النار على جميعه فأخذ بطرفه السليم والنار في طرفه اآلخر فتأتى له ذلك<br />
وحمله إلى موضعه الذي كان يأوي إليه وكان قد خال في جحر استحسنه<br />
للسكنى قبل ذلك.<br />
ثم مازال يمد تلك النار بالحشيش والحطب الجزل ويتعهدها ليالً ونهاراً<br />
استحساناً لها وتعجباً منها. وكان يزيد أنسه بها ليالً ألنها كانت تقوم له<br />
مقام الشمس في الضياء والدفء فعظم بها ولوعه واعتقد أنها أفضل<br />
1 القلخ: القصب األجوف.<br />
40