BOOK 79
BOOK 79
BOOK 79
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
قبول وأخذا على أنفسهما بالتزام جميع شرائعها، والمواظبة على جميع<br />
أعمالها، واصطحبا على ذلك.<br />
وكانا يتفقهان في بعض األوقات فيما ورد من ألفاظ تلك؛ الشريعة<br />
في صفة الله عزّ وجلّ ومالئكته وصفات المعاد والثواب والعقاب فأما<br />
أبسال منهما فكان أشد غوصاً على الباطن وأكثر عثوراً على المعاني<br />
الروحانية وأطمع في التأويل وأما سالمان صاحبه فكان أكثر احتفاظا<br />
بالظاهر وأشد بعداً على التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل وكالهما<br />
مجد في األعمال الظاهرة ومحاسبة النفس ومجاهدة الهوى، وكان في<br />
تلك الشريعة أقوال على العزلة واالنفراد وتدل على أن الفوز والنجاة<br />
فيهما وأقوال أخر تحمل على المعاشرة ومالزمة الجماعة.<br />
فتعلق أبسال بطلب العزلة ورجع القول فيهما لما كان في طباعه من دوام<br />
الفكرة ومالزمة العبرة الغوص على المعاني. وأكثر ما كان يتأتى له أمله<br />
من ذلك باالنفراد.<br />
وتعلق سالمان بمالزمة الجماعة ورجع القول فيها لما كان في طباعه من<br />
الجبن عن الفكرة والتصرف. فكانت مالزمته الجماعة عنده مما يدرأ<br />
الوسواس، ويزيل الظنون المعترضة ويعيذ من همزات الشياطين.<br />
وكان اختالفهما في هذا الرأي سبب افتراقهما. وكان أبسال قد سمع عن<br />
الجزيرة التي ذكر أن حي بن يقظان تكون بها وعرف ما بها من الخصب<br />
والمرافق والهواء المعتدل وأن االنفراد بها يتأتى لملتمسه فأجمع على<br />
أن يرتحل إليها ويعتزل الناس بها بقية عمره. فجمع ما كان له من المال<br />
رمز إلى الفيضان اإللهي، والطابخ هو القوة الغضبية، والطاعم هو القوة الشهوية، وتواطؤهم على<br />
هالك أبسال رمز إلى محاولة غلبتهم على العقل، وإهالك سالمان إياهم رمز إلى غلبة النفس على<br />
القوى البدنية آخر األمر، كما أشار إلى ذلك شارح اإلشارات، وهي معان جندها تدور في حي بن يقظان<br />
وقصة سالمان وأبسال ورسالة الطير، وكلها البن سينا.<br />
89