BOOK 79
BOOK 79
BOOK 79
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
عالم الكون والفساد أن حقيقة وجود كل جسم إنما هي من جهة صورته<br />
التي هي استعداده لضروب الحركات وأن وجوده الذي له من جهة مادته<br />
وجود ضعيف ال يكاد يدرك فإن وجود العالم كله إنما هو من جهة<br />
استعداده لتحريك هذا المحرك البريء عن المادة وعن صفات األجسام،<br />
المنزه عن أن يدركه حس أو يتطرق إليه خيال سبحانه وإذا كان فاعالً<br />
لحركات الفلك على اختالف أنواعها فعالً ال تفاوت فيه وال فتور فهو ال<br />
محالة قادر عليه وعالم به.<br />
فانتهى نظره بهذا الطريق إلى ما انتهى إليه بالطريق األول ولم يضره<br />
في ذلك تشككه في قدم العالم أو حدوثه وصح له على الوجهين جميعاً<br />
وجود فاعل غير جسم وال متصل بجسم وال منفصل عنه وال داخل فيه وال<br />
خارج عنه واالتصال واالنفصال والدخول والخروج هي كلها من صفات<br />
األجسام وهو منزه عنها.<br />
ولما كانت المادة في كل جسم مفتقرة إلى الصورة إذ ال تقوم إال بها<br />
وال تثبت لها حقيقة دونها وكانت الصورة ال يصح وجودها إال من فعل<br />
هذا الفاعل المختار وتبين له افتقار جميع الموجودات في وجودها إلى<br />
هذا الفاعل وأنه ال قيام لشيء منها إال به فهو إذن علة لها وهي معلولة له<br />
سواء كانت محدثة الوجود بعد أن سبقها العدم أو كانت ال ابتداء لها من<br />
جهة الزمان ولم يسبقها العدم قط فإنها على كال الحالين معلولة ومفتقرة<br />
إلى الفاعل متعلقة الوجود به ولوال دوامه لم تدم ولوال وجوده لم توجد<br />
ولوال قدمه لم تكن قديمة وهو في ذاته غني عنها وبريء منها وكيف ال<br />
يكون كذلك وقد تبرهن أن قدرته وقوته غير متناهية وأن جميع األجسام<br />
وما يتصل بها أو يتعلق بها ولو بعض تعلق هو متناه منقطع، فإذن العالم<br />
كله بما فيه من السماوات واألرض والكواكب وما بينها وما فوقها وما<br />
تحتها فعله وخلقه ومتأخر عنه بالذات وإن كانت غير متأخرة بالزمان كما<br />
61