BOOK 79
BOOK 79
BOOK 79
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
هذه المشاهدة أن الذوات المفارقة إن كانت لجسم دائم الوجود ال يفسد<br />
كاألفالك كانت هي دائمة الوجود وإن كانت لجسم يؤول إلى الفساد<br />
كالحيوان الناطق فسدت هي واضمحلت وتالشت حسبما مثلت به في<br />
مرايا االنعكاس فإن الصورة ال ثبات لها إال بثبات المرآة فإذا فسدت<br />
المرآة صح فساد الصورة واضمحلت هي فأقول لك: ما أسرع ما نسيت<br />
العهد وحلت عن الربط! ألم نقدم إليك أن مجال العبارة هنا ضيق وأن<br />
األلفاظ على كل حال توهم غير الحقيقة وذلك الذي توهمته إنما أوقعك<br />
فيه أن جعلت المثال والممثل به على حكم واحد من جميع الوجوه.<br />
وال ينبغي أن يفعل ذلك في أصناف المخاطبات المعتادة فكيف ههنا<br />
والشمس ونورها وصورتها وتشكلها والمرايا والصور الحاصلة فيها كلها<br />
أمور غير مفارقة لألجسام وال قوام لها إال بها وفيها؟ فلذلك افتقرت في<br />
وجودها إليها وبطلت ببطالنها.<br />
وأما الذوات اإللهية واألرواح الربانية فإنها كلها بريئة عن األجسام<br />
ولواحقها ومنزهة غاية التنزيه عنها، وال ارتباط وال تعلق لها بها، وسواء<br />
باإلضافة إليها بطالن األجسام أو ثبوتها ووجودها أو عدمها وإنما<br />
ارتباطها وتعلقها بذات الواحد الحق الموجود الواجب الوجود الذي<br />
هو أولها ومبدؤها وسببها وموجدها وهو يعطيها الدوام ويمدها بالبقاء<br />
والتسرمد وال حاجة بها بل األجسام محتاجة إليها. ولو جاز عدمها<br />
لعدمت األجسام فإنها هي مباديها، كما أنه لو جاز أن تعدم ذات الواحد<br />
الحق - تعالى وتقدس عن ذلك ال إله إال هو- لعدمت هذه الذوات كلها<br />
ولعدمت األجسام ولعدم العالم الحسي بأسره ولم يبق موجود إذ الكل<br />
مرتبط بعضه ببعض. والعالم المحسوس وإن كان تابعاً للعالم اإللهي<br />
شبيه الظل له والعالم اإللهي مستغن عنه وبريء منه فإنه مع ذلك يستحيل<br />
فرض عدمه إذ هو ال محالة تابع للعالم اإللهي وإنما فساده أن يبدل ال<br />
86