BOOK 79
BOOK 79
BOOK 79
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
بالعالم اآللهي الذي ال يقال فيه كل وال بعض وال ينطق في أمره بلفظ<br />
من األلفاظ المسموعة إال وتوهم فيه شيء خالف الحقيقة فال يعرفه إال<br />
من شاهده وال تثبت حقيقته إال عند من حصل فيه.<br />
وأما قوله »حتى انخلعت عن غريزة العقالء واطرحت حكم المعقول«<br />
فنحن نسلم له ذلك ونتركه مع عقله وعقالئه فإن العقل الذي يعنيه<br />
هو وأمثاله إنما هو القوة الناطقة التي تتصفح أشخاص الموجودات<br />
المحسوسة وتقتنص منها المعنى الكلي. والعقالء الذين يعنيهم هم<br />
ينظرون بهذا النظر والنمط الذي كالمنا فيه فوق هذا كله فليسد عنه<br />
سمعه من ال يعرف سوى المحسوسات وكلياتها وليرجع إلى فريقه الذين<br />
»يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن اآلخرة هم غافلون«.<br />
فإن كنت ممن يقتنع بهذا النوع من التلويح واإلشارة إلى ما في العالم<br />
اإللهي وال تحمل ألفاظنا من المعاني على ما جرت العادة بها في<br />
تحميلها إياه فنحن نزيدك شيئاً مما شاهده »حي بن يقظان« في مقام<br />
الصدق الذي تقدم ذكره فنقول:<br />
إنه بعد االستغراق المحض والفناء التام وحقيقة الوصول شاهد الفلك<br />
األعلى الذي ال جسم له ورأى ذاتاً بريئة عن المادة ليست هي ذات<br />
الواحد الحق وال هي نفس الفلك وال هي غيرها وكأنها صورة الشمس<br />
التي تظهر في مرآة من المرائي الصقيلة فإنها ليست هي الشمس وال<br />
المرآة وال هي غيرهما.<br />
ورأى لذات ذلك الفلك المفارقة من الكمال والبهاء والحسن ما يعظم<br />
عن أن يوصف بلسان ويدق عن أن يكسى بحرف أو صوت ورآه في<br />
غاية من اللذة والسرور والغبطة والفرح بمشاهدته ذات الحق جل جالله.<br />
83