BOOK 79
BOOK 79
BOOK 79
- No tags were found...
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
البشر والقبول.<br />
فاستغرب كل واحد منهما أمر صاحبه.<br />
وكان عند أبسال بقية من زاد كان قد استصحبه من الجزيرة المعمورة<br />
فقربه إلى حي بن يقظان فلم يدر ما هو ألنه لم يكن شاهده قبل ذلك.<br />
فأكل منه أبسال وأشار إليه ليأكل ففكر حي بن يقظان فيما كان عقد<br />
على نفسه من الشروط قد تناول الغذاء ولم يدر أصل ذلك الشيء الذي<br />
قدم ما هو وهل يجوز له تناوله أم ال؟ فامتنع عن األكل. ولم يزل أبسال<br />
يرغب إليه ويستعطفه وقد كان أولع به حي بن يقظان فخشي إن دام على<br />
اقتناعه يوحشه فأقدم على ذلك الزاد وأكل منه.<br />
فلما ذاقه واستطابه بدا له سوء ما صنع من نقض عهوده في شرط الغذاء،<br />
وندم على ما فعله وأراد االنفصال عن أبسال واإلقبال على شأنه من<br />
طلب الرجوع إلى مقامه الكريم فلم تتأت له المشاهدة بسرعة. فرأى أن<br />
يقيم مع أبسال في عالم الحس حتى يقف على حقيقة شأنه وال يبقى في<br />
نفسه هو نزوع إليه وينصرف بعد ذلك إلى مقامه دون أن يشغله شاغل.<br />
فالتزم صحبه أبسال. ولما رأى أبسال أيضاً أنه ال يتكلم أمن غوائله على<br />
دينه ورجا أن يعلمه الكالم والعلم والدين فيكون له بذلك أعظم أجر<br />
وزلفى عند الله. فشرع أبسال في تعليمه الكالم أوالً بأن كان يشير له<br />
إلى أعيان الموجودات وينطق بأسمائها ويكرر ذلك عليه ويحمله على<br />
النطق فينطق بها مقترناً باإلشارة، حتى علمه األسماء كلها ودرجه قليالً<br />
قليالً حتى تكلم في أقرب مدة.<br />
فجعل أبسال يسأله عن شأنه ومن أين صار إلى تلك الجزيرة فأعلمه حي<br />
بن يقظان أنه ال يدري لنفسه ابتداء وال أباً وال أماً أكثر من الظبية التي<br />
ربته ووصف له شأنه كله وكيف ترقى بالمعرفة حتى انتهى إلى درجة<br />
92