You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
28 يوليو 1888<br />
على البحر األسود وبحر قزوين، وبعيداً عن الحياة.. باخرة نقل بضائع<br />
صغيرة الحجم ومتهالكة، اسمها »دير«، تنطلق بأقصى سرعة من سوهوم<br />
إلى بوتي. الوقت منتصف الليل. والقُ مرة الوحيدة في هذه الباخرة حارة<br />
ورطبة للغاية. وهناك رائحة شيء يحترق تتصاعد من حبل ما، أو سمكة<br />
ما، أو من البحر. صوت ِ المحرّك يصل إلينا ِ مدوّياً »بووم بووم بووم«.<br />
وعن الماكينات تصدر أصوات على سطح الباخرة أو من األسفل. الظلمة<br />
تزحف متمايلة داخل القُ مرة، والسرير يهتزّ إلى أعلى وإلى أسفل، بينما<br />
أسعى إلى تحويل انتباهي من الجوع إلى محاولة االستلقاء على السرير،<br />
وإذا بمياه سلتزر ترتجع وصوالً إلى حلقي قبل أن تنزل إلى كعبي.<br />
لم يكن من السهل انتقاء مالبسي في الظالم، واكتفيت بارتداء مالبسي<br />
سريعاً ومغادرة القمرة. ياله من ظالم! ارتطمت قدميّ ببعض قضبان<br />
الحديد غير المرئية، وبحبل كذلك، فأينما خطوت تتعثّر في براميل وأكياس<br />
وأسمال بالية، كذلك تدوس على رماد فحمي. وفي الظالم اصطدمت<br />
بشيء ما يتكوَّن من قضبان متوازية، إنه قفص مملوء باألغنام التي<br />
سبق ورأيتها خالل النهار. كانت مستيقظة ومهتاجة تنصت إلى أصوات<br />
اهتزازات القارب. وإلى جوار القفص هناك جوادان تركيان مستيقظان<br />
كذلك... توجَّ هت إلى الساللم ِ المؤدّية إلى منصّ ة ربّان الباخرة. كادت<br />
ريح قوية تطيح بقبّعتي من فوق رأسي، والباخرة تهتزّ. وكان الصاري أمام<br />
منصّ ة الربّان يهتزّ بانتظام وبطء مثل بندول اإليقاع، حاولت أن ِ أحوّل<br />
بصري عنه، لكن عينيّ لم تطاوعاني؛ تماماً مثل معدتي، وأصرَّتا على<br />
متابعة األشكال ِ المتحرّكة... السماء والبحر غارقان في الظلمة، والشاطئ<br />
124