You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
أدراجنا، لكنه العناد ما حال دون ذلك، وسيطرت عليّ نزوة غير مفهومة<br />
بالمعارضة لتلك النزوة التي جعلتني أقفز من اليخت في وسط البحر<br />
األسود، ودفعتني للقيام بعدد غير قليل من األفعال الحمقاء... ِ أُرجّ ح أن<br />
ذلك نوع خاص من العُصاب. وواصلنا السير ِ متلمّ سين ما توافر من الجزر<br />
الصغيرة وأشرطة اليابسة وسط المياه. وبحثنا عن الكباري وألوح الخشب<br />
كعالمات إرشادية عبر الطريق، لكن الفيضان كان قد جرفها كلها.<br />
وللعبور عليها، كان عينا أن ِ نخلّص الخيول من سروجها ونقودها واحداً<br />
بعد اآلخر. قام السائق بفكّ السروج عن الخيول، وقفزت إلى الماء<br />
بحذائي البوت وأمسكت بها... يالها من تسلية مبهجة! واألمطار والريح.<br />
يا ربّ السماء! وأخيراً وصلنا إلى جزيرة صغيرة وعليها ينتصب كوخ<br />
وحيد بال سقف. وبدأت الخيول المبلَّلة تتجوَّل في الروث المختلط<br />
بالوحل. خرج من الكوخ فالح بيده عصا طويلة، وتولّى مهمّ ة قيادتنا.<br />
إنه يقوم بقياس عمق المياه بواسطة عصاه، ويختبر صالبة اليابسة. قادنا<br />
للوصول إلى شريط طويل من اليابسة، يباركه الربّ على صنيعه هذا، أطلق<br />
عليه »الجرف«. وشدّ د علينا أننا البدّ أن نلتزم الجانب األيمن -وربّما<br />
يكون األيسر، ال أتذكَّ ر- لنصل إلى جرف آخر.<br />
وهذا ما فعلناه. امتأل حذائي البوت المصنوع من الكتان بالماء، وصدر<br />
عنه صوت بقبقة بما احتواه من مياه، وكذلك عن جوربي صدر الصوت<br />
نفسه. لم يتفوّه السائق بكلمة، دون أن يتوقّف عن الفرقعة بالسوط، في<br />
إيقاع مغتم، لحثّ الخيول على مواصلة السير. كان من دواعي سروره أن<br />
يعود أدراجه، لكن، اآلن، فات أوان ذلك، كان الظالم قد حلّ ، وأخيراً،<br />
يا للبهجة! وصلنا إلى نهر إيرتيش.. كانت ضفّته القصيّة بارزة، أما القريبة<br />
فكانت منحدرة. كانت الضفة القريبة غائرة، تبدو شديدة االنحدار،<br />
منفرة، وجرداء، وكانت المياه العكرة تفيض عليها بما تحمله من رغوة<br />
58