alarabi_July-Comp
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />
ديني يحرم الفنّ والذي ظنّ معتنقوه ومتداولوه<br />
أنّه مفسدة لإلنسان واملجتمع، وأوّلوا نصوصاً<br />
من القرآن الكرمي والسنّة الشريفة وطوّعوها<br />
لتتماشى مع ظنّهم وهوى رأيهم. ولو تفحصنا<br />
مسيرة احلضارات اإلنسانية، للفت انتباهنا<br />
أنّ قمة الهرم احلضاري هي اإلنتاج الفكري<br />
والثقافي، مبا يحويه من إبداعات علمية وأدبية<br />
وفنية. إنّ حترمي احلالل أمر خطير، لم يتعلم<br />
منه كثيرون ممن ظنوا أنّ الورع هو الوسطية،<br />
وخلطوا بني العادات والتقاليد وبني التشريع<br />
الديني ومقاصده، ورفعوا العادات إلى مستوى<br />
العبادات، واستغلوا التقاليد كمقاليد، توصلهم<br />
إلى سلطة التشريع في التحرمي والتحليل، حتى<br />
عَدّوا كل إبداعٍ بدعة، وكل خطوة إلى األمَامِ<br />
خطيئة، وفسروا أمور الدنيا بتفاسير أرجعوها<br />
لنصوص دينية، وما كان كل هذا إال ألنهم أرادوا<br />
أن يَحكموا ويتحكموا.<br />
لذا نرى أنّ مرجعية العلوم كلها قد آلت<br />
إليهم، رغم عدم التخصص! فكل مرض له<br />
عندهم دواء؛ رقية أو عشبة أو حتى بول بعير!<br />
وإن تساءلت: هل بالنجاسة شفاء؟ أجابك<br />
بوجود نصّ ديني ليؤكد بذلك زعمه وادعائه،<br />
ومبا أنّ مع وجود النص ال مجال لالجتهاد، فال<br />
بدّ أال تُكذِّب ما ورد بهذا النصّ وإال خرجت<br />
من دائرة اإلميان واإلسالم، كل هذا حتى يَسُ دّ<br />
عليك طريق احلق ويقودك إلى درب اخلنوع<br />
واخلضوع واالستسالم لرأيه من دون مناقشة<br />
أو تفكير.<br />
في تاريخ احلضارة العربية اإلسالمية، كل<br />
روّاد العلوم قد كُفِّروا أو فُسِّ قوا، فمن األطباء<br />
كُفِّر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي وابن<br />
سينا وأبو القاسم الزهراوي وابن النفيس،<br />
وفي الفيزياء احلسن بن الهيثم، وفي الفلسفة<br />
الكندي والفارابي وابن رشد، وفي علوم الفلك<br />
عمر اخليام. وفي تاريخنا املعاصر، حُ رّم<br />
الراديو والهاتف والسينما واملسرح والتلفاز<br />
والفيديو وأجهزة البث واالستقبال الفضائي<br />
وأجهزة الهواتف احملمولة! ثم ال أدري كيف<br />
أصبح احلرام حالالً من دون دليل أو نصٍّ من<br />
أخالق األمم تُقاس بمنهجها<br />
في منظومة<br />
قِيَم وسلوكيات،<br />
من أهمها إتقان العمل<br />
وحُ سْ ن التعامل<br />
أي قولٍ أو كتاب مبني.<br />
واليوم، أصبح الفنّ الهادف احملترف الرزين<br />
أشد أثراً في النفس من أي مجاالت التلقي<br />
األخرى، ليكون أصدق إنباء من الكتبِ . ولعل<br />
فيلما سينمائيا واحداً، إذا ما كُتِبَ وأُخرج<br />
بحرفية وموضوعية، يعطيك بساعات قليلة<br />
ما ال يستطيع أن يعطيك إياه مائة كتاب عن<br />
املوضوع نفسه. ولعل فكرة حتارب الطائفية<br />
والعنف واإلرهاب، تُعرض في حلقة تلفزيونية<br />
ملدة أقل من الساعة، تستحوذ على فِ عْلٍ في<br />
عقل املُتَلقي واملشاهد أكثر من ألف خطاب<br />
ديني أو سياسي. ومثل ذلك نراه واضحاً في<br />
الفنون األخرى، كالرسم والغناء.<br />
ولعل أغنية واحدة حترّك جماهير غفيرة<br />
للعمل والبناء اجلاد. لقد أدرك املتحضرون<br />
أهمية الفن فاستخدموه كوسيلة ناجحة<br />
وفاعلة ملخاطبة الشعوب اإلنسانية، وحتفيز<br />
نفوسهم إلى التقدم والبناء واإلنتاج العملي<br />
والبحث العلمي، واالرتقاء مبستواهم الثقافي<br />
واحلضاري ><br />
11<br />
مقومات البناء احلضاري... العمل والعلم والثقافة والفن