10.08.2016 Views

alarabi_July-Comp

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

منذ العنوان اخلارجي للمجموعة:‏ ‏»جني ليلتي«،‏<br />

الذي هو عنوان أحد نصوصها في الوقت نفسه.‏<br />

فالنجيّ‏ من النّجْ‏ وى،‏ والنّجْ‏ وُ:‏ السّ‏ ّ ‏رُ‏ بني اثنني.‏<br />

يقال:‏ جنَوْتُه جنَ‏ ‏ْوا أي سَ‏ ‏اروْته،‏ وكذلك ناجيته.‏<br />

ويقال:‏ فالنٌ‏ ّ جنيُ‏ فالن أي يناجيه دون سواه.‏<br />

فمن أجل أن يضفي الكاتبُ‏ على نصّ‏ ‏ه بُعْداً‏<br />

فانتاستيكياً،‏ يَلجأ أحياناً،‏ إلى ‏»األنسنة«؛ مثلما<br />

جند في قصة ‏»اللعبة«،‏ التي يقول فيها:‏ ‏»للحظة<br />

فقط تخيلتُ‏ نفسِ‏ ي فارساً‏ مِ‏ غوَاراً‏ واثقاً...‏ أوَاجهُ‏<br />

احلَيَاة...‏ ‏»العَبْتها الشطرَجن،‏ واخليل ترَادفت«‏<br />

فرَسي جمُوح،‏ عِ‏ تقها يبنيُ‏ من أصواتها أغار<br />

بها واتراً...‏ فتعلن التحَ‏ ‏دي،‏ وأقرّر االقتحام...‏<br />

تترَصّ‏ دني،‏ وأخاتلها نتماهَى ومنَثل دوراً‏ ليسَ‏<br />

لنا...‏ هكذا من لعبة ألخرَى...«.‏<br />

فالقاص هنا،‏ يلجأ إلى أنسَ‏ ‏نَةِ‏ احلياة،‏ مِ‏ ‏ّا<br />

يُحيل املَشهد إلى الالمعقول؛ إذ جنده يُصور لنا<br />

احلياة،‏ امرأة تتحداه وتترصده،‏ ومع ذلك فإنه<br />

يقرّر االقتحام،‏ فيخاتلها ويُالعبها الشطرجن.‏<br />

ويروم الكاتب من خلالل هذا التصوير الغرائبي<br />

املكثف اإلشارة إلى ما يلقاه اإلنسان الطموح من<br />

تعب ومعاناة وابتالء في احلياة.‏ وهذا يذكرني<br />

بقول أبي العالء املعري:‏<br />

تعب كلها احلياة فما أعْ‏ جَ‏ <br />

بُ‏ إال من راغب في ازدياد<br />

كما تبرز مالمح الكتابة العجائبية الدالة ع<br />

لى سريالية العوالم السردية عند ميمون حرش<br />

في قصة ‏»لعنات«؛ حيث انتقل من الواقعية إلى<br />

الغرائبية ليجسد لنا رؤية امتساخية سوداوية،‏<br />

تعبر عن انحطاط اإلنسان كينونياً،‏ وانبطاحه<br />

وجودياً‏ وقيمياً‏ وفضائياً.‏ تقول القصة:‏ ‏»الناسُ‏<br />

من حَ‏ وله ال مَالمِ‏ ح لهم،‏ يَ‏ ‏ْشون على رؤوسِ‏ هم،‏<br />

أرجلهم ترسم عالمة النصر مُرسلة للسماء...‏<br />

على مقربة منه كلبٌ‏ يَعْوي باملقلوب،‏ وأمَامه<br />

مبَاشرة أثر أقدام مَ‏ ‏ْسوخة...‏ يَبدو أنها سحقت<br />

طيراً..‏ يتطلع لنفسه،‏ لم يعرف سرّ‏ وجوده<br />

بينهم...‏ وال مَن يكون؟...‏ األشكال حوله ال شكل<br />

لها...‏ وحده الفضاء كغول يفتح ذراعيْه له ليس<br />

بالهبات...‏ لكن باللعنات...«.‏<br />

عمد الكاتب إلى جتريد شخصياته<br />

من تركيبتها اخللقية،‏ ورسَ‏ ‏مَها مبَالمح<br />

أخرى غير مألوفة،‏ اعتراها التغيير واملَسْ‏ ‏خ<br />

( ناس بال مالمح - يشون على رؤوسهم - كلب<br />

يعوي باملقلوب...(،‏ ليشير بذلك إلى ما أصاب<br />

أخالق الناس من فساد وانحطاط.‏ ثم اختتم<br />

الكاتب النص بقفلة مفاجئة لها فعل صادم تترك<br />

أثرها في املتلقي نفسه؛ نظراً‏ ملعطياتها اخلارقة،‏<br />

مّا يجعلنا نسافر في تخيّل املشهد العجائبي<br />

الذي يصوره لنا بَحثاً‏ عن املعنى املُستتر في<br />

النص.‏<br />

ومن أمثلة هذا التعجيب الفانتاستيكي،‏<br />

أيضاً،‏ قصة ‏»أكباد مقروحة«‏ التي تقوم على<br />

عوالم غريبة،‏ وأحداث غير مألوفة؛ حيث<br />

تتحدث عن التعب البشري،‏ واضمحلالل<br />

اإلنسان،‏ وانهياره وجودياً،‏ وحتوله إلى إنسان<br />

غريب األحوال،‏ مريض في هذا الكون الذي<br />

تسوده العبثية البشرية بفعل الظلم،‏ وتناقض<br />

القيم،‏ واشتداد الصراع املادي املبني على صراع<br />

القوة واملال.‏ تقول القصة:‏ ‏»سَ‏ مع عن سُ‏ وق بَعيدة،‏<br />

يأتيها الناس من كلّ‏ فجّ‏ عَمِ‏ يق،‏ يتم فيها استبدال<br />

أكباد غير ذات قروح بأكبادهم املريضة.‏ رحل<br />

إليها،‏ وبعد مغامرات جلجامشية،‏ يصِ‏ لها،‏ لكن<br />

متأخراً،‏ لقد سَ‏ بقه مَرْضَ‏ ى آخرون،‏ ولم يتبق غير<br />

كبد واحدة مكتوب عليها:‏ ‏»للنساء فقط«‏ استقرّ‏<br />

رأيه على استبدالها بكبده،‏ قالوا له:‏ مستحيل!‏<br />

أنت رَجُ‏ لٌ...‏ وحني أصرّ‏ طلبوا منه شهادة حسن<br />

السّ‏ يرة والسلوك«.‏<br />

وأخيراً،‏ يكننا القول:‏ إن ظاهرة الغرائبية،‏<br />

التي نالمِ‏ سُ‏ ‏ها في هذه املجموعة،‏ التي بني<br />

أيدينا،‏ قد ساهمت بنسبة كبيرة،‏ في إضفاء<br />

غموض فنيّ‏ على نصوصها؛ األمر الذي يجعل<br />

النص القصصي عند حِ‏ رش نخبوياً‏ بامتياز كما<br />

أكدت ذلك في كتابي:‏ ‏»خصائص القصة القصيرة<br />

جداً‏ عند ميمون حِ‏ رش«.‏ وبهذا يكون األستاذ<br />

حِ‏ رش،‏ قد انحاز إلى املبدعيني الذين ارتضوا<br />

هذا األسلوب الغامض في كتاباتهم القصصية<br />

القصيرة جداً،‏ ولعله أفضل من يُ‏ ثل هذا االجتاه<br />

عندنا في شرق املغرب على األقل،‏ إن لم نقل<br />

على املستوى الوطني والعربي عموماً‏ ><br />

العدد - 692 يوليو 2016<br />

72

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!