10.08.2016 Views

alarabi_July-Comp

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />

التلقي - في حركة دائبة,‏ وأخذ وردٍّ‏ بني حالة التوق<br />

إلى البوح والكشف,‏ وحالة الستر واإلخفاء,‏ ثم<br />

تردد صورة الهوية بني صورة الكاتب البطل املبرّأ<br />

من العيوب,‏ وصورة الشخصية البشرية حني تتعثر<br />

وتسقط,‏ وتضل الطريق,‏ وبهذا فإن هوية الكاتب<br />

ليست ثابتة في كل األحوال,‏ وال في كل املراحل,‏<br />

وما ينبغي لها أن تركن إلى اجلمود,‏ فالكاتب<br />

‏»صيرورة من التحوالت التي ال تنتهي,‏ وال يُعاب<br />

على املرء الوقوع في اخلطأ,‏ إمنا يعاب عليه نكرانه<br />

له,‏ أو عدم تخطّ‏ يه,‏ فال ينبغي اخلوف,‏ أو حتى<br />

اخلجل,‏ من اقتراف الكاتب للخطأ,‏ ولكن يحسب<br />

عليه تقبّله,‏ والتعايش معه,‏ فاالنزالق إلى اخلطأ<br />

أمر تصعب السيطرة عليه بسبب حتول الوعي<br />

اخلاص بالكاتب من درجة إلى أخرى,‏ وبني مرحلة<br />

وأخرى,‏ وصوالً‏ إلى ما يصطلح عليه لوكاش ب<br />

‏»الوعي األصيل«‏ بنفسه وعامله,‏ وذلك يتأخر كثيراً,‏<br />

وقد ال يأتي أبداً.‏<br />

لكن التلقي أيضا,‏ بآلياته اجلديدة,‏ وانفتاح<br />

آفاقه,‏ لم يعد جامداً,‏ أو ثابتاً‏ عند صورة منطية<br />

للكاتب,‏ واعتراه ما اعترى الكاتب من حتوالت,‏<br />

وصار في مقدور املتلقي التخلي عن صورة الكاتب<br />

الرمز,‏ والقبول بصورة الكاتب اإلنسان في حالي<br />

سقوطه وصعوده,‏ وعلى وجه أخص مع بروز ثورة<br />

املعرفة احلديثة,‏ التي انطلقت عبر آليات واسعة<br />

من التواصل,‏ واالتصال الرقمي,‏ وألفة التعرف<br />

على البعيد,‏ والعصي من حيوات اآلخرين.‏<br />

وقد حدث حتوّل بارز في عالقة<br />

االعتراف بالهوية مع اعترافات جان جاك روسو<br />

‏)ت.‏ ‎1778‎م(,‏ فبعد أن كانت االعترافات طقساً‏<br />

دينياً,‏ من أجل التطهر,‏ وإظهار عظمة خالق<br />

الوجود ‏)اعترافات القديس أوغسطينوس مثاالً(,‏<br />

أحدثت اعترافات األديب الفرنسي تغييراً‏ جوهرياً‏<br />

في مفهوم االعتراف وأسلوبه,‏ فأصبح اعترافاً‏<br />

إنسانياً,‏ يخاطب الناس في املقام األول,‏ ويهدف<br />

إلى جالء احلقيقة,‏ حقيقة الذات,‏ واملجتمع الذي<br />

تتحرك فيه,‏ يقول روسو في مستهل اعترافاته:‏<br />

‏»أنا اليوم قادم على أمر لم يسبق إليه سابق,‏ ولن<br />

يلحق به الحق,‏ أنا مزمع على أن أجلو إلخواني بني<br />

اإلنسان إنساناً‏ على حقيقته,‏ وفي صميم طينته,‏<br />

وهذا اإلنسان هو أنا..«.‏<br />

اتخذ روسو من ذاته معبراً‏ للنفاذ إلى الذات<br />

اإلنسانية,‏ وتقدمي العالم الداخلي للنفس,‏ وظلّ‏<br />

مشغوالً‏ بذلك زمناً‏ طويالً,‏ ففي نصه األخير<br />

‏»تأمالت ملتجول وحيد«‏ الذي نشر بعد وفاته,‏ بدا<br />

ذلك الباحث عن حقيقة نفسه,‏ الراغب في العزلة<br />

من أجل االكتشاف,‏ ودراسة شخصه,‏ وهكذا<br />

استسلم ‏»للذة التحاور مع الروح«‏ على حد تعبيره<br />

‏)د.‏ سليمان الشطي:‏ إضاءة,‏ مجلة الكويت,‏ يونيو<br />

.)2012<br />

خارج املكان<br />

إدوارد سعيد<br />

إن سؤال الذات ال يتوانى في الظهور بالسير<br />

الذاتية الصريحة,‏ فارتباك الهوية كان ماثالً‏ في<br />

‏»خارج املكان«‏ إلدوارد سعيد ‏)ت.‏ ‎2003‎م(,‏ وهي<br />

السيرة الذاتية أو املذكرات التي كتبها إثر إصابته<br />

بسرطان الدم,‏ وفي أثناء فترات العلالج,‏ بان<br />

االرتباك والتردد املُلحّ‏ ان الضاغطان على النفس,‏<br />

فرصدتهما افتتاحية الفصل األول,‏ بل أضاءتهما<br />

مقدمة املؤلف للطبعة العربية,‏ يقول في املقدمة:‏<br />

‏»أما في حالتي أنا,‏ فالفارق بني اإلجنليزية<br />

والعربية يتخذ شكل توتر حاد غير محسوم,‏<br />

بني عامليني مختلفني كلياً,‏ بل متعاديَنينْ‏ : العالم<br />

الذي تنتمي إليه عائلتي وتاريخي وبيئتي وذاتي<br />

األولية احلميمة - وهي كلها عربية - من جهة,‏<br />

وعالم تربيتي الكولونياليّ‏ , وأذواقي وحساسياتي<br />

املكتسبة,‏ ومجمل حياتي املهنية معلِّمًا وكاتباً‏ من<br />

67<br />

االعتراف والهوية

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!