10.08.2016 Views

alarabi_July-Comp

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

كما هما في هذا العصر.‏<br />

وكان امللوك ومن أشبههم يعلمون لهما ذلك<br />

فيرومون منهما ويتّقون.‏ كما يفعل أولو األمر ومن<br />

أشبههم اآلن إزاء اإلذاعة والتلفزيون والصحافة وشتى<br />

طرق اإلعالم.‏ وكان الشاعر القدمي ربّ‏ ا مدح وهجا<br />

متكسّ‏ ‏باً‏ كما يفعل أكثر القائمني باإلعالم في زماننا،‏<br />

وربا فعل ذلك ال يريد كسباً‏ فأُجيز وعوقب.‏<br />

املتنبي كان من هؤالء الشعراء املدّاحني،‏ وعندما<br />

صار إلى سيف الدولة احلمداني في حلب بات<br />

كاملوظف عنده:‏<br />

أسيرُ‏ إلى إقطاعِ‏ هِ‏ في ثيابِ‏ هِ‏<br />

على طِ‏ رفِ‏ هِ‏ في دارِ‏ هِ‏ بحسامِ‏ هِ‏<br />

ويصفه عبدالله الطيب ب»وزير دولة«،‏ و»وكيل<br />

وزراء«‏ لإلعلالم والدعاية بلغة عصرنا اليوم.‏ وقد<br />

استمرّ‏ في هذا املنصب تسع سنوات.‏ بعدها شغل<br />

منصب وزير الدعاية عند كافور أربع سنوات،‏ ليصبح<br />

بعد ذلك وزير الدعاية واإلعلالم عند عضد الدولة<br />

مدة عام.‏ ‏»كان وزيراً‏ زائراً‏ مفوّضاً‏ من عند نفسه ذلك<br />

احلني القصير!«.‏<br />

وكان مع الدعاية واإلعالم على أبي الطيب واجب<br />

آخر ال يُكلّفهُ‏ أكثر وزراء ووكالء وزارات الدعاية<br />

واإلعلالم في عصرنا احلاضر.‏ وذلك أن يُبرز عمله<br />

بصورة فنية شعرية حتمل طابعه الشخصي،‏ كما كانت<br />

كل دولة خدمها في ذلك الزمان إمارة من إمارات<br />

الطوائف حتمل طابع أميرها اخلاص الشخصي.‏<br />

سَ‏ ‏مْتُ‏ دولة آل حمدان بحلب غيره باملوصل،‏ وسَ‏ مْتُ‏<br />

دولة اإلخشيد بالفسطاط غيرُ‏ سَ‏ ‏مْتِ‏ دولة آل بويه<br />

بأرجان أو بشيراز،‏ غيرُ‏ سَ‏ ‏مْتِ‏ بني عُبيد باملغرب،‏<br />

من بعد وبالفسطاط.‏ وكان أبوالطيب من بني وزراء<br />

اإلعالم في ذلك الزمان عجباً...‏ كان وزيراً‏ له سياسته<br />

اخلاصة ويخبر الناس أنه غير قادر على تنفيذها ألن<br />

الدولة التي تغدق عليه جوائزها:‏ سيف الدولة،‏ أو<br />

كافور،‏ أو بدر بن عمّار،‏ تسمع ملن يكيدون له وتعرقل<br />

عليه.‏ وكان مع هذا ميجّ‏ دها شكراً‏ إلغداقها عليه<br />

وتنبيهاً‏ على بهائها في ذات نفسها وتنويهاً‏ به.‏ وقد<br />

يجمع جمعاً‏ غريباً‏ بني امتعاضه من العرقلة ومتجيده<br />

وتنويهه بالبهاء،‏ كقوله في كافور:‏<br />

يا أيُها امللكُ‏ الغاني بتسمية<br />

في الشرقِ‏ والغربِ‏ عن نعتٍ‏ وتلقيبِ‏<br />

أنت احلبيبُ‏ ولكني أعوذُ‏ به<br />

من أن أكون محباً‏ غيرَ‏ محبوب<br />

ويرى د.عبدالله الطيب أن مما أعان املتنبي على<br />

هذا املذهب مزاجه وطموحه وأحوال عصره وما جرّبه<br />

من ذلك،‏ وكان قد خرج أول شبابه بدعوى ادّعاها ولو<br />

جنح لكان سبق الفاطميني إلى إنشاء دولة فاطمية،‏<br />

ولعلّه كان يدّعي نسباً‏ علوياً،‏ ولعلّه كان علوياً‏ يكتم<br />

نسبه.‏ ‏»ومهما يكن من أمره فقد كان ال يرى إذ أذعنت<br />

نفسه إلى التماس السموّ‏ من طريق طويل شاق هو<br />

خدمة األمراء بشعره،‏ أنه دون أحد منهم،‏ إذ كانوا في<br />

جملتهم بني مغامر وابن مغامر،‏ ولعلّ‏ أعرقهم لم يكن<br />

يزيد على أن كان حفيد مغامر مثل سيف الدولة،‏ أو<br />

عبدا حلفيد مغامر مثل كافور«.‏<br />

املدح والتصوير الفني<br />

ولنتأمل كيف يصوّر عبدالله الطيب مهنة املدح<br />

في ذلك الزمان،‏ فيعتبر أنها أشبه بهنة التصوير<br />

الفني،‏ فتنافس األمراء إذ ذاك على الشعراء يشبه<br />

تنافس ملوك أوربا وأمرائها على استقدام املصوّرين<br />

البارعني واستخدامهم.‏<br />

‏»وينبغي أن ننظر إلى قصيدة املدح ال على أنها<br />

تسوّل،‏ ولكن على أنها واجب أو عمل يُطلب من<br />

الشاعر فينجزه،‏ كما كان املصوّرون في أوربا يؤدي<br />

أحدهم واجباً‏ أو ينجز عمالً‏ حني يُطلب منه أن يرسم<br />

هذا األمير أو تلك األميرة.‏ وكان من أعظم ما ينبغي<br />

في الرسم إبراز األبّهة في اجلمال،‏ وما كان كل أمير<br />

بذي أبّهة وال كل أميرة بحسناء،‏ وكما كان شكسبير<br />

وأضرابه الروائيون يؤدي أحدهم واجباً‏ أو ينجز عمالً‏<br />

حني يُطلب من فرقته متثيل قصة لتسلية امللكة ورجال<br />

القصر واللوردات الكبار«.‏<br />

فالباحث الكبير يشرح ظرف املتنبي التاريخي<br />

وظروف زمالئه شعراء املدح في تراثنا،‏ معتبراً‏ أننا<br />

نظلم هؤالء الشعراء عندما نعتبرهم مجرد متسوّلني،‏<br />

وهو االعتبار السائد عند الناس اليوم.‏ بل إنه يجد<br />

في هذا اجلانب من الشعر القدمي،‏ أي املدح،‏ ما يعني<br />

الباحث املعاصر في دراسة أحوال الزمن املاضي.‏ ذلك<br />

أن الناظر في أصناف املديح في الشعر العربي يجدها<br />

في جملتها تختلف من عصر إلى عصر كما تختلف<br />

أساليب التمثيل والتصوير والرقص.‏ وقد نستطيع إن<br />

العدد - 692 يوليو 2016<br />

74

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!