alarabi_July-Comp
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />
الشوارع«.<br />
وأمام فداحة األزمة وخطورتها على حياة السارد,<br />
تستعني األم بسرود استعادية, لها أكثر من وجهة:<br />
سرد شخصي يخصُّ حياتها التعليمية: »كنتُ مثلك<br />
وأنا صغيرة, كنت أهرب من احلياة...«، سرد عائلي<br />
اعترافي يخصُّ الزوج )والد السارد(, وخيانته الزوجية<br />
»بعد بحث طويل جنحت أمي في أن تعثر على املكان<br />
الذي يقابل فيه أبي عشيقته..«، سرد غيري يخصُّ<br />
الرسام التركي املشهور, وعبرة قصته مع الرسم »لن<br />
تتمنى أن تصبح رساماً في هذه البالد يا بنيّ ...«.<br />
توسّ لت األم بكل هذه السرود إلقناع االبن بأن<br />
يكون »طبيعياً, وعادياً, مثل اآلخرين«، ومازالت األم<br />
تتحدث »عليك أن تكون غنياً, لذلك ال تتخلّ عن دراسة<br />
العمارة يا بني..«, ثم اقتضت اللحظة احلاسمة في<br />
حتديد املستقبل/ املصير/ الهوية احليوية, حضور<br />
الداخل واخلارج, الذكريات واملدينة, فكانت أشبه<br />
بلحظة التنوير في دراما نفسية, تتضافر فيها كل<br />
العناصر من أجل الوصول إليها, وبها تُختتم سيرة<br />
أورهان باموق:<br />
»شوارع بيه أوغلو, وزواياها املظلمة, ورغبتي في<br />
أن أجري بعيداً, وشعوري بالذنب، كل ذلك كان يومض<br />
ويخبو مثل أضواء النيون في رأسي, عرفت حينها<br />
أنني لن أتشاجر أنا وأمي في تلك الليلة, وفي دقائق<br />
معدودات كنت أفتح الباب وأهرب إلى الشوارع املخزية<br />
في املدينة؛ وبعد أن جتولتُ حتى منتصف الليل عدتُ<br />
إلى البيت, وجلست أمام طاولتي, وسجلّتُ كيمياءها<br />
على الورق. قلتُ : ال أريد أن أكون رساماً, سأكون<br />
كاتباً«.<br />
كان االعتراف جسراً للوصول إلى هوية الكتابة,<br />
واستدعاه الصراع الواقع بني هويتني من مستويني<br />
مختلفني: هوية اجتماعية, وهوية ذاتية؛ فاألم من<br />
خالل سرد متشعب األلم تريدها هوية اجتماعية,<br />
تقليدية, قادرة على التعايش مع الواقع التركي في<br />
ذلك الوقت. أما االبن فقد أرادها هوية تخص<br />
الذات, مغايرة, متحققة في الرسم أو الكتابة, وال<br />
بديل.<br />
هذا الصراع آزره حضور طاغ للمدينة إسطنبول<br />
)املوزعة بني آسيا وأوربا(, مكان إقامة, وموضوع كتابة,<br />
ورمبا كان النشغال باموق بالهوية الذاتية الكتابية,<br />
أثرٌ في انشغاله بالهوية الكبرى في رواياته وكتاباته,<br />
أعني هوية وطنه تركيا, ومبعنى أدق هوياتها املتعددة,<br />
املشدودة بني جناحي التراث واملعاصرة ><br />
خطيب على مائدة رمضانية<br />
دعا موسى بن جناح جماعة من جيرانه، ليفطروا عنده في أحد أيام<br />
رمضان، فلما وُ ضعت مائدة الفطور، قام فيهم خطيباً فقال: »ال تعجلوا فإن<br />
العجلة من عمل الشيطان!«، ثم وقف وقفة، فقال لهم: وكيف ال تعجلون والله<br />
تعالى، يقول: }وَكَانَ اإلْ ِ نْسَ انُ عَ جُ والً } )اإلسراء: 11(؟ اسمعوا ما أقول لكم،<br />
فإن فيه حُ سن املؤاكلة، والعاقبة الرشيدة، والسيرة احملمودة، إذا مد أحدكم يده<br />
ليستقي ماء، فأمسكوا أيديكم حتى يفرغ، فإنكم جتمعون عليه خصاال: منها<br />
أنكم تنغصون عليه في شربه. ومنها أنه إذا أراد اللحاق بكم، فلعله يتسرع إلى<br />
لقمة حارة فيموت! وأدنى ذلك أن تبعثوه على احلرص، وعلى عظم اللُقم،<br />
ولهذا قال بعضهم وقد قيل له: لمَ تبدأ بأكل اللحم؟ قال: ألن اللحم ظاعن<br />
)راحل( والثريد )ما يُثرد من اخلبز( مُ قيم، وأنا وإن كان الطعام طعامي فإني<br />
كذلك أفعل، فإذا رأيتم قولي يخالف فعلي فال طاعة لي عليكم«!.<br />
69<br />
االعتراف والهوية