10.08.2016 Views

alarabi_July-Comp

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

بعدة أشهر،‏ وأعلنت باريس ذلك اليوم إجازة رسمية<br />

ّ ونصَ‏ بته األكادميية الفرنسية رئيساً‏ لها.‏ وفي 30 مايو<br />

1778 مات فولتير،‏ أي قبل الثورة الفرنسية بعام واحد.‏<br />

ودفن في ‏»البانتيون«‏ في باريس،‏ وهي مقبرة عظماء<br />

األمة الفرنسية.‏<br />

قضية آل كاالس<br />

ترك فولتير تراثاً‏ ضخماً‏ في ميادين الشعر والرواية<br />

والفلسفة والتاريخ،‏ كما ألَ‏ ‏ّف ‏»املعجم الفلسفي«‏ وشارك<br />

في املوسوعة ‏»اإلنسكلوبيديا«‏ مع نخبة من علماء<br />

فرنسا آنذاك.‏ ّ ويُعدُ‏ كتابه ‏»رسالة في التسامح«‏ من<br />

أهم مؤلفاته،‏ وكان الدافع الرئيس لتأليفه هو إنصاف<br />

عائلة كاالس من الظلم الذي حاق بها على أيدي قضاة<br />

محكمة تولوز في عام 1762. وفحوى هذه الواقعة،‏ كما<br />

عرضها فولتير في مستهل الكتاب،‏ أن العائلة كانت<br />

تعيش في مدينة تولوز،‏ وتتألف من األب جان كاالس<br />

وزوجته وولديه مارك وبيير وابنتيه وخادمة.‏ وكانت<br />

العائلة على املذهب البروتستانتي،‏ في حني كان معظم<br />

أهالي تولوز على املذهب الكاثوليكي.‏ وكان بيير قد<br />

حتول إلى الكاثوليكية دون اعتراض والده،‏ كما كانت<br />

اخلادمة التي تشرف على تربية أوالده منذ ثالثني<br />

عاماً‏ كاثوليكية.‏ وكان ابنه مارك مييل إلى االكتئاب،‏<br />

والسيما أنه لم يُفلح في التجارة،‏ وال في االنضمام إلى<br />

سلك احملامني ألنه ليس كاثوليكياً،‏ ولهذا قرر االنتحار<br />

في اليوم الذي خسر فيه كل ما كان بحوزته من نقود<br />

في القمار.‏ وبالفعل شنقَ‏ مارك نفسَ‏ ه على أحد أبواب<br />

البيت.‏ واحتشد أهل تولوز حول املنزل وصاح أحدُ‏<br />

الرعاع،‏ قائالً‏ إن والده جان هو الذي شنقه ليمنعه من<br />

التحول إلى الكاثوليكية.‏ وسرعان ما صدَ‏ ‏ّق أهل تولوز<br />

هذه الفرية،‏ وبلغت الشائعة قاضي املدينة فصدَ‏ ‏ّقها<br />

بدوره من دون دليل،‏ ّ وزجَ‏ بآل كاالس في السجن.‏ ودُفن<br />

مارك في حفل مهيب في إحدى الكنائس الكاثوليكية،‏<br />

واعتبره بعضهم شهيداً‏ وقديساً.‏ وأخيراً‏ قرر قضاة<br />

تولوز إعدام جان كاالس ‏)وعمره 68 عاماً(‏ بتقطيع<br />

أطرافه وعظامه على الدوالب،‏ ونُفّذَ‏ احلكم في التاسع<br />

من مارس 1762. كما أمرت احملكمة بنفي بيير إلى<br />

أحد األديرة وباحلجر على شقيقتيه داخل دير آخر.‏<br />

وأُضيف الحقاً‏ فصلٌ‏ آخر لكتاب ‏»رسالة في التسامح«‏<br />

يتضمن عرضاً‏ آلخر حكم صدر في قضية آل كاالس،‏<br />

وخالصته أن زوجة جان تشجعت وذهبت إلى باريس<br />

بحثاً‏ عن املساعدة والعدالة.‏<br />

وتبنى قضيتها عدد من كبار احملامني من دون<br />

مقابل.‏ وهناك رواية تقول إنها ذهبت إلى فيروني<br />

وقابلت فولتير الذي تبنى بدوره القضية.‏ ومتكن<br />

احملامون من استصدار قرار بإعادة احملاكمة آلل<br />

كاالس في باريس،‏ وأمر مجلس الدولة،‏ مبوافقة امللك،‏<br />

بجلب ملف احملاكمة السابقة من تولوز إلى باريس.‏<br />

واستمرت جلساتُ‏ إعادة احملاكمة ثالث سنوات.‏<br />

وفي التاسع من شهر مارس 1765 صدر قرار محكمة<br />

باريس بإجماع القضاة بتبرئة جان كاالس وأسرته،‏<br />

وأجازت آلل كاالس مقاضاة قضاة تولوز واحلصول<br />

على النفقات والتعويضات منهم،‏ وعمَ‏ ‏ّت الفرحةُ‏ أنحاء<br />

فرنسا.‏ ومن املصادفة أن يكون قرار البراءة في اليوم<br />

نفسه الذي مت فيه إعدام جان قبل ثالث سنوات.‏<br />

رسالة التسامح<br />

ألَ‏ ‏ّفَ‏ فولتير كتابَه ‏»رسالة في التسامح«‏ ونشره في<br />

الوقت الذي كانت تُتخذ فيه إجراءات إعادة محاكمة<br />

آل كاالس في باريس.‏ وقد استهدف فولتير من ذلك<br />

التشهير باحلكم الذي صدر بحق آل كاالس من قِ‏ بَل<br />

قضاة تولوز،‏ وإيقاظ الشعور بالعدالة في فرنسا،‏<br />

وإعطاء دفع معنوي لقضاة باريس بفِ‏ كْره وحتليله<br />

العميق لكل جوانب القضية،‏ بغية حتقيق العدالة<br />

وإنصاف هذه األسرة املنكوبة،‏ والتأكيد على أن جان<br />

كاالس ذهب ضحية التعصب الديني،‏ وأن جرمية قتله<br />

قد اقترفت بسيف العدالة في مدينة تولوز،‏ وأنه لم<br />

يكن بني يدي املتهم للدفاع عن نفسه سوى فضيلته.‏<br />

بعد أن عرض فولتير قضية آل كالس تناول،‏ بالنقد<br />

والتحليل،‏ بعض جوانب موضوع التسامح،‏ التاريخية<br />

منها والفلسفية والدينية واإلنسانية،‏ ومنها:‏<br />

- 1 يقول فولتير:‏ لقد أعلن البروتستانت سابقاً‏<br />

العصيان املسلح في بعض املدن الفرنسية،‏ وذلك<br />

عندما عاملهم الكاثوليك معاملة سيئة.‏ والسؤال:‏ هل<br />

سيعلنون العصيان ثانية عندما يعاملهم هؤالء معاملة<br />

حسنة؟ يجيب فولتير بالنفي،‏ ألن ما حدث في ظرف<br />

معيني ليس بالضرورة أن يحدث في ظرف مغاير،‏<br />

والسيما أن أبناء اجليل احلالي ليسوا على همجية<br />

آبائهم،‏ فعامل الزمن وتطور العقل وانتشار الثقافة<br />

العدد - 692 يوليو 2016<br />

96

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!