alarabi_July-Comp
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
اللغات احمللية لتلك القبائل البدائية. فمع تشرد<br />
وتفرّق واختفاء تلك اجلماعات القبلية أو إبادتها،<br />
من الطبيعي أن تختفي لغاتها معها.<br />
واملعروف أن قبائل الهنود احلمر العديدة<br />
التي كانت تنتشر في أرجاء األراضي األمريكية<br />
املترامية األطراف، كان لديها عند حلول القرن<br />
السادس عشر حوالي 500 إلى 600 لغة متداولة،<br />
هذه اللغات لم يتبق منها في نهاية سبعينيات<br />
القرن املاضي سوى 18 عائلة لغوية، كل عائلة منها<br />
حتتوي من 1 إلى 20 لغة، أي إن ما تبقى منها<br />
اليوم ال يتجاوز 200 لغة، والبعض من تلك اللغات<br />
محدود التداول لقلة أعداد املستخدمني، وبالتالي<br />
فهي مهددة أيضاً باالنقراض. من جهة أخرى أدت<br />
حروب البلقان بداية القرن العشرين واحلربان<br />
العامليتان والنزاع العرقي في يوغسالفيا السابقة،<br />
إلى انحسار أعداد بعض األعراق والقوميات<br />
املتصارعة التي كانت اجلانب األضعف في تلك<br />
احلروب والنزاعات، وبالتالي اضمحالل لغاتها<br />
األصلية وتهديدها باالندثار.<br />
ثالثاً: التكتم على اللغة األم والعمل على تغييبها<br />
إرادياً، واتخاذ لغة ثانية سائدة بدالً عنها، خشية<br />
انكشاف الهوية ومن ثم التعرض إلى االضطهاد أو<br />
املالحقة أو التصفية الدينية أو العرقية على يد<br />
أغلبية سائدة تفرض أعرافها بالقوة على اآلخرين،<br />
أو تتعامل مع األفراد على أساس عنصري.<br />
إن أكثر من مييل إلى استخدام أسلوب التكتم<br />
على لغته هم أتباع الطوائف الضعيفة واألقليات<br />
الدينية )وأغلب الظن أن ما حصل من انحسار<br />
شديد للغات قدمية كاملندائية والسريانية يعود<br />
إلى هذا اجلانب(.<br />
رابعاً: الهجرات القسرية إلى وجهات متعددة،<br />
أي الهجرات غير املبرمجة وغير املنظمة بفعل<br />
ظروف قاهرة خارجة عن إرادة اجلماعة املهاجرة،<br />
تلك الهجرات بطبيعة احلال تؤدي إلى االختالط<br />
مع أمم جديدة وشعوب غريبة يصبح معها لزاماً<br />
على الفرد اتخاذ لغة تلك األمة أو البلد – أي لغة<br />
األكثرية - كلغة حديث وعمل ودراسة... أي لغة<br />
احلياة اجلديدة، وبسبب ذلك تنحسر اللغة األصلية<br />
وتضمحل ثم تتالشى بتتابع األجيال ومتوت،<br />
فاللغة األصلية قد تنتهي عند اجليل الثالث، أو<br />
الرابع على أبعد تقدير، فاجليل األول يكون أحادي<br />
اللغة )يستخدم لغته األم( ويتعلم قليالً من اللغة<br />
السائدة )لغة املجتمع اجلديد(. أما اجليل الثاني<br />
فيصبح ثنائي اللغة، إذ يتعلم أفراد هذا اجليل لغة<br />
األجداد من ذويهم، كما يتقنون اللغة السائدة من<br />
املجتمع احمليط. أما اجليل الثالث، فيتعلم فقط<br />
اللغة السائدة في املجتمع والبيت )ولغة البيت هنا<br />
تكون على األغلب هي لغة املجتمع(، وبهذا تنحسر<br />
اللغة األم شيئاً فشيئاً وتندثر.<br />
خامساً: سيادة اللغات الكبرى أو الرئيسة،<br />
وهذا األمر يؤدي بالنتيجة إلى انقراض اللغات<br />
احمللية، فحني تسود اللغة الكبرى وتصبح هي لغة<br />
التخاطب والدراسة والكتاب والصحيفة والتلفاز<br />
واإلنترنت، تصبح معها اللغات احمللية لغات ثانوية.<br />
واليوم هنالك إحدى عشرة لغة كبرى في العالم<br />
هي السائدة بقوة في كل وسائل االتصال والتواصل<br />
بيني 78 في املائة من سكان العالم، هذه اللغات<br />
هي: اإلجنليزية، الفرنسية، اإلسبانية، اإليطالية،<br />
األملانية، الصينية، الروسية، العربية، الهندية،<br />
الهولندية، البرتغالية.<br />
إن انقراض بعض اللغات سيؤدي حتما إلى<br />
ضياع التأريخ املدون وغير املدون بتلك اللغات<br />
على السواء، فاملدونات املكتوبة بلغات اضمحلت<br />
وماتت في ما بعد، تصبح بالنسبة لألجيال<br />
الالحقة عبارة عن طالسم ال غير، أي إنها رموز<br />
مبهمة املعنى والداللة، وتصبح عملية فك رموز<br />
تلك املدونات بحاجة إلى إيجاد الشفرة اخلاصة<br />
بتلك اللغة املنقرضة، أي متاماً كمسألة اكتشاف<br />
الشفرات التي مت من خاللها معرفة اللغتني<br />
املسمارية والهيروغليفية وبعض اللغات القدمية،<br />
بعد أن كانت تلك اللغات مبهمة وغريبة لفترة من<br />
الزمن.<br />
إن على الشعوب احلية والناهضة واجب<br />
احلفاظ على لغاتها من االندثار والتشويه، فاللغة<br />
هي هوية الشعب وسر متيزه، كما أنها عالمة على<br />
عنفوانه ودميومته، وهي وسيلة تدوين تاريخه<br />
ومسيرته وعطائه. وكما قال صموئيل جونسون<br />
»إن اللغة متثل أصالة األمم« ><br />
العدد - 692 يوليو 2016<br />
88