alarabi_July-Comp
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />
عن )ظالم القيت منه ما كفى..(<br />
قد )علموه كيف يجفو... فجفا(<br />
وفي هذا املقطع نرى عدداً من التقنيات<br />
الالفتة التي كان يستغلها أو يستخدمها أمل<br />
دنقل في كتاباته، أوالها جسارة التشبيه حني<br />
نرى ترام الرمل، وهو اسم الترام الذي ينطلق<br />
ويعود إلى محطة الرمل في اإلسكندرية، منبعجاً<br />
كامرأة في أخريات احلمل. والتشبيه غريب وبالغ<br />
اجلسارة، من النوع الذي يطلق عليه البالغيون<br />
القدماء تشبيه االستطراف، ووجه الطرافة في<br />
التشبيه هو عدم اعتياد قراء الشعر على مثله،<br />
فمن ذا الذي فكر أو تخيل أن الترام املزدحم<br />
بالركاب الذين يقفون على أبوابه يبدو في<br />
انبعاجه كامرأة في أخريات احلمل؟! أما التقنية<br />
الثانية التي يستخدمها أمل، فهي التضمني على<br />
سبيل إيقاع املفارقة في الداللة، وهكذا نقرأ:<br />
»شتاء الغضب الساطع«، وهو تضمني ألغنية<br />
فيروز الشهيرة التي تتحدث عن غضب ساطع<br />
البد أن يدفع العرب إلى هزمية عدوهم، ولكن<br />
العدو لم ينهزم، وإمنا هزم العرب شر هزمية.<br />
ولم يبق سوى الغضب الساطع للهواء في مدينة<br />
اإلسكندرية، وهو يكتسح األوراق برياح اخلريف<br />
التي تشتد في الشتاء، فتنقلب الرياح إلى<br />
عواصف تتطاير معها معاطف املارين املرجتفني<br />
من برد الشتاء في اإلسكندرية، وهو األمر نفسه،<br />
الذي يقع في تضمني أغنية عن ذلك الظالم<br />
الذي يالقي منه العاشق ما يكفيه، فيقول عن<br />
حبيبه قد علموه كيف يجفو فجفا، فاإلشارة<br />
هنا إلى أغنية شهيرة من تأليف أحمد شوقي،<br />
وغناء محمد عبدالوهاب، يقلب الشاعر معناها<br />
كي ميضي في سياق مقطع القصيدة الذي<br />
ميتلئ بالسخرية، دون أن يتخلى عن اخلصائص<br />
الكنائية للمقطع كله، كما في غيره من املقطعني<br />
السابقني. وأخيراً تأتي خامتة القصيدة:<br />
جلست فوق الشاطئ اليابس<br />
وكان موج البحر يصفع خد الصخر<br />
وينطوي - حيناً - أمام وجهه العابس-<br />
... وترجع األمواج<br />
تنطحه برأسها املهتاج<br />
ودون أن تكف عن صراعها اليائس...!<br />
ويختم هذا املقطع األخير سياق القصيدة<br />
مبقاطعها الثالثة الدالة على نحو مباشر وغير<br />
مباشر على املوت الذي يفترش حتى الهواء.<br />
واملقطع يبدأ بجلسة فوق شاطئ البحر اليابس<br />
العاري من العشب أو الطحالب، فال شيء في<br />
هذا الشاطئ اليابس سوى الصخر الذي يندفع<br />
إليه موج البحر كما لو كان يصفعه أو كما لو<br />
كان يخيفه بوجه عابس. وتنطوي األبيات على<br />
ذلك التشخيص الذي يضم شاطئ البحر إلى<br />
موج البحر، فيبدو الصخر كما لو كان له خد،<br />
في مقابل املوج الذي ينطح هذا اخلد أو يتراجع<br />
اخلد من جديد أمام موجه املهتاج كي يرجع<br />
لينطح الشاطئ برأسه كالثور الهائج. ومتضي<br />
الصورة الشعرية على هذا النحو في صراع ما<br />
بني صخر اليابسة وموج البحر اليائس دون أن<br />
يتوقف كالهما عن الصراع اليائس والبائس،<br />
فالصورة مبا تنطوي عليه من صراع هي امتداد<br />
للمقاطع الثالثة السابقة التي نرى فيها املوت<br />
يضرب احلياة كما يضرب موج البحر خد<br />
الصخر، ولكن خد الصخر يتصدى ملوج البحر<br />
ويواجهه كما يقاومه، متاماً كما تقاوم احلياة<br />
املوت الذي يهزمها كما في املقاطع الثالثة<br />
السابقة. ولكن املوت ال يهزم احلياة دائماً<br />
وأبداً، فهناك ذلك الصراع الدائم واملستمر ما<br />
بني احلياة واملوت، وإذا كانت مقاطع القصيدة<br />
السابقة لم تُرِ نا سوى املوت، فإن اخلامتة التي<br />
تصف البحر في مواجهة الشاطئ تؤكد لنا أن<br />
احلياة ال تفنى وال تتبدد، وأنها تناطح املوت كما<br />
يناطح الصخر البحر، ما يجعلنا نعاود النظر في<br />
القصيدة وفي دالالت املوت التي تنسرب فيها،<br />
مدركني في النهاية أن احلياة مع كل مشاهد<br />
املوت السابقة تبقى، وإذا انهزمت في جبهة<br />
فإنها تصارع املوت في جبهة أخرى، ما يعطي<br />
نوعاً من األمل يضيفه املقطع األخير إلى املقاطع<br />
السابقة، فيبدو املقطع األخير في النهاية كما لو<br />
كان الداللة املضافة إلى الشتاء العاصف، كاحلياة<br />
التي تواجه املوت مهما بلغ حجمه وانتصاره أو<br />
تعددت مرات ضرباته ><br />
25<br />
عن شعرية أمل دنقل