10.08.2016 Views

alarabi_July-Comp

Create successful ePaper yourself

Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.

حامالً‏ شمعة يحاول احلفاظ على نورها<br />

في ‏»نوستاجليا«.‏<br />

سلوك الطواف يبدو لنا شاذاً‏<br />

كمشاهدين،‏ فبدالً‏ من أن يشق طريقه<br />

في ‏»املنطقة«‏ واثقاً‏ كمرشد يعرف<br />

طريقه،‏ فإنه على العكس يبدو متردداً،‏<br />

معوالً‏ على اإلميان الذي سيقوده إلى<br />

األمان،‏ حريصاً‏ على أال يشوش أو يؤذي<br />

أو يبعث االضطراب في أي شيء داخل<br />

‏»املنطقة«،‏ إنه ينصت إلى صوته الداخلي<br />

فيلم املرأة عام 1975<br />

وإلى صوت ‏»املنطقة«‏ في الوقت نفسه،‏<br />

ينصت لصوت احلقيقة،‏ لصوت اإلله عبر رحلة احلياة.‏<br />

متاماً‏ مثل صانع األجراس الصغير في فيلم ‏»أندريه<br />

روبليف«‏ الذي يقوده اإلميان واالستماع لصوت روحه<br />

الداخلي إلى التوصل إلى سر تركيب مادة جرس<br />

الكاتدرائية دون معرفة مسبقة.‏ إن املعرفة احلقيقية<br />

عند تاركوفسكي هي املعرفة الغنوصية،‏ هي النجاح<br />

في اإلنصات لصوت الروح.‏ قرب نهاية الفيلم،‏ يتشكك<br />

الطواف نفسه في وجود ‏»املنطقة«‏ وجوداً‏ مادياً‏ فعلياً،‏<br />

فيقول لزوجته متسائالً:‏ ‏»ال أحد يؤمن ب ‏»املنطقة«...‏<br />

مبن آتي إلى ‏»حجرة األحالم«‏ إن لم يوجد من يؤمن<br />

بها؟!«.‏ وتبني كلمات تاركوفسكي في مذكراته ‏»زمن<br />

داخل الزمن«‏ أن ‏»املنطقة«‏ رمبا لم توجد يوماً‏ إال في<br />

عقل الطواف فقط.‏ وهو ما يتوافق مع رؤية تاركوفسكي<br />

بأن ‏»غرفة احلقيقة«؛ يحملها كل إنسان داخل نفسه.‏<br />

هكذا كان تاركوفسكي منقباً‏ عن معنى الوجود<br />

اإلنساني،‏ عن األسئلة اخلاصة باحلقيقة،‏ واملطلق،‏<br />

واإلله،‏ ولذلك ال تقف أفالمه عند حدود<br />

سرد حكاية بسيطة،‏ بل نستطيع أن<br />

نغفل احلبكة ‏»احلكاية«‏ وتظل أفالمه<br />

لها األهمية نفسها.‏ وشخصيات أفالمه<br />

تتحمل كل ذلك؛ إنها شخصيات حتمل<br />

الوجود بأكمله على أكتافها،‏ حتمل،‏ كما<br />

حمل تاركوفسكي نفسه،‏ راية منقوشاً‏<br />

عليها:‏ الروح،‏ الزمن،‏ اخللود،‏ الغنوصية،‏<br />

وهو واقف على العتبة التي تفصله<br />

كفرد عن زحام السينما السائدة.‏ من<br />

املهم مالحظة أن أعمال تاركوفسكي<br />

حتمل عناوين فردية وذاتية:‏ ‏»طفولة<br />

بوستر فيلم طفولة إيفان عام<br />

1962 ونال عنة جائزة األسد<br />

الذهبي في مهرجان فينيسيا<br />

إيفان«،‏ ‏»أندريه روبليف«،‏ ‏»الطواف«،‏<br />

‏»املرآة«،‏ ‏»نوستاجليا«،‏ ‏»القربان«.‏<br />

إن شخصيات تاركوفسكي ممتلكة<br />

لفرديتها على الدوام،‏ وال ميتصها العالم<br />

اخلارجي بكل إلهاءاته،‏ وال هي تنسى<br />

نفسها فيه؛ إنها غير قابلة للبيع.‏ كما<br />

أننا نلمح تاركوفسكي نفسه حتت جلد<br />

كل شخصية من شخصياته،‏ بالرغم<br />

من أنهم بعيدون عن التشابه،‏ كتناقض<br />

اإلنسان وجتانسه في الوقت نفسه،‏<br />

كتناقض الفن العظيم وجتانسه في<br />

الوقت نفسه.‏ إن تاركوفسكي هو آخر شخص ميكن أن<br />

نلمس لديه شيئاً‏ من التظاهر أو االدعاء،‏ فلم يكن يسمح<br />

بافتعال أي شيء،‏ وال حتى شخصياته،‏ لم يكن يسمح<br />

باخلروج عن حدود أناه اخلاصة،‏ فمن خالل معرفته<br />

الدقيقة بذاته كان يلمس األوتار التي حترك أبطاله.‏<br />

املبارزة مع العمل<br />

الغنوصية واملعرفة القبلية واحلدس التي آمن<br />

بها لم تعن له إطالقاً‏ الركون إلى الكسل،‏ بل رافقها<br />

إميان راسخ بأن على الفنان أن ميلك قوة إرادة عظيمة<br />

حتى تكون جهوده مثمرة،‏ وحتى متنح أعماله طابع<br />

التفرد.‏ كان تاركوفسكي ال يكف عن التأمل بعناد لكل<br />

تفاصيل العمل،‏ وكان يعرف كم يكلف من اجلهد الشاق<br />

جعل عمل فني ينبثق من حلم يقظة.‏ املبارزات بني<br />

تاركوفسكي واملادة اخلام لم تتوقف أبداً‏ وهو يحولها<br />

إلى عناصر فنية،‏ متعقباً‏ تلك العناصر مبزيد من<br />

التركيز والتفحص في سلسلة متصلة<br />

من التنقيحات،‏ كأنه فنان يخوض نزاالً‏<br />

مع عمله الفني.‏ وهذا ما يتضح لنا من<br />

النسخ املعدلة من السيناريوهات التي<br />

كتبها ألفالمه،‏ والسيناريوهات الفنية<br />

للتصوير،‏ ومالحظات املونتاج،‏ فضالً‏<br />

عما ورد عن ذلك في كتابيه ‏»زمن<br />

داخل الزمن«‏ و»النحت في الزمن«،‏<br />

التي تبني أنه كان يعمل باستمرار،‏ وأنه<br />

كان مشغوالً‏ بالتعديالت باستمرار.‏ من<br />

األمثلة املهمة على ذلك؛ إعادة تصوير<br />

فيلم ‏»الطواف«‏ ثالث مرات كاملة.‏<br />

العدد - 692 يوليو 2016<br />

146

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!