alarabi_July-Comp
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
إن قمة الهرم الحضاري<br />
هي اإلنتاج الفكري والثقافي،<br />
بما يحويه<br />
من إبداعات علمية<br />
وأدبية وفنية<br />
الدينية، التي كانت تعلي من شأن اإلنسان<br />
واحلياة، فقد ارتدَت رداء السواد واملوت،<br />
واندفعت لترفع رايات اجلهل وتهميش العقل،<br />
ولتحُبَشِّ ر وتحُ ذِّر وتزدري وتحُ َقِّر، وأكثر تلك<br />
الرايات تعكس أطروحات هامشية ركيكة<br />
بعيدة عن الواقع. وال ندري ملاذا تنادي تلك<br />
اخلطابات الدينية بالعذاب والنقمة واأللم<br />
والشقاء، لدين سالم يحُبشِّ ر بالثواب والرحمة<br />
واألمل والهناء، لينقلب بذلك اإلحساس باألمن<br />
إلى وسواس مِ حَ ن، يجري في دماء الغالة ملوثاً<br />
بالعنف والسبّ واللعن؟ كثيرون يشتكون بأنّ<br />
أعياد اليوم واملناسبات واالحتفاالت تغيرت<br />
عما كانت عليه في املاضي، وبأنها أصبحت<br />
مملة، بعد أن ححُ جبَت السعادة وتبرقع وجه<br />
الفرح عنها! وأصبح الكلّ في العيد بعيداً،<br />
فإما مواطن مسافر وإما مشرد مهاجر. أي<br />
أمل وأي عمل يستطيع أن يقوم به البائس<br />
الباكي؟! وأي ثقافة أو إبداع يستطيع أن يحُقدّمه<br />
اليائس الشاكي؟ ال نريد أن يكون أملنا »مَوْت«<br />
وعملنا »فَوْت« وثقافتنا »صَ وْت«. شعوب العالم<br />
تتقدم حتى تبني لها منزال وتكون لها منزلة في<br />
سحُ لّم احلضارات، ونحن نتراجع ونحُكسّ ر أعمدة<br />
ثقافتنا ونهدم أطالل إجنازات حضارتنا، لكي<br />
نبكي ويضحك على بكائنا اآلخرون. ما عاد<br />
العلم وحده طريقا للتقدم...<br />
وإنمّ ا األمم األخلاق ما بَقِ يَت<br />
فإنْ هُ مُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا<br />
وأخلالق األمم تحُقاس مبنهجها في منظومة<br />
قِ يَم وسلوكيات، من أهمها إتقان العمل وححُ سْ ن<br />
التعامل. والعمل إنتاج املفيد فكرة وحرفة،<br />
صناعة وزراعة، أما التعامل، فهو عبارة عن<br />
دوائر تتسع حلقاتها باتساع عالقات الذات<br />
باحمليط: النفس، األسرة، ذوي القربى،<br />
األصدقاء، الزملالء، املجتمع، الدولة، اجلوار،<br />
اإلقليم، العالم. وإذا كانت دائرة العالم هي<br />
اإلطار األكبر، فالعالم الصغير إطاره النفس،<br />
كمثل املوجات الصوتية، كلما صَ غحُرت كانت<br />
األقرب مكاناً واألقوى أثراً. وال تستقيم<br />
حركة هذه الدوائر إال بالتراتب واحلبّ ، وال<br />
ينجح احلب إال إذا كان من الطرفني، وإال<br />
أصبح غراماً، يغرم فيه طرف عن طرف،<br />
شعوراً ووقتاً وماالً وحاالً. وال مجال فيها إلى<br />
العشق، فإنه اجنذاب كبير من طرفٍ إيجابي<br />
إلى طرفٍ سلبي، دون االكتراث إلى معرفة<br />
شعور اآلخر. وفي هذا املقام نذكر »الهوى«،<br />
الذي اشتق اسمه في لغة العرب من كلمة هواء،<br />
وهو متغير باجتاهاته، متغير بنوعه، ساخن أو<br />
بارد، عاصف أو ساكن. ودائرة النفس تعشق<br />
الفنّ، صوتا وصورة وحركة، بالسمع والبصر<br />
والفؤاد، وال بدّ أن يكون ذلك بلال إفراط أو<br />
تفريط، لقوله عزّ وجل: }إِ نَّ السَّ مْ عَ وَالْبَصَ رَ<br />
وَالْفُ ؤَادَ كُ لُّ أُولَئِ كَ كَانَ عَ نْهُ مَسْ ئُولاً } )اإلسراء -<br />
اآلية 36(.<br />
إنّ ترمي الفنّ ال ميكن أن يكون صحيحا<br />
إال في الضرر على دوائر التعامل املجتمعي<br />
التي ذكرناها. ومهما يكن من أمر، فالتحرمي ال<br />
يكون إال بنص؛ قطعي الداللة، قطعي الثبوت،<br />
ال ظنّ فيه. وترانا في مجتمعاتنا العربية<br />
موسومون بالتخلف احلضاري بجريرة خطاب<br />
العدد - 692 يوليو 2016<br />
10