10.08.2016 Views

alarabi_July-Comp

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />

الكويت<br />

في بيئة بالد ما بني النهرين من صراع بني<br />

عناصر الطبيعة واإلنسان وبيئته.‏ ولذا فإنه<br />

ليس غريباً‏ أن تأتي الكتب املقدسة مبثل هذه<br />

الفكرة،‏ فلقد جاء في التوراة ‏»في البدء خلق<br />

الله السماوات واألرض،‏ وكانت األرض خاوية<br />

خالية،‏ وعلى وجه القمر ظالم،‏ وروح الله يرف<br />

على وجه املياه«.‏<br />

كذلك جند في ما بعد أن القرآن الكرمي<br />

نصت آيات كثيرة منه على مثل هذه األفكار<br />

واملعتقدات الكونية،‏ فمن ذلك مثال قوله عز من<br />

قائل ‏}أَنَّ‏ السَّ‏ مَ‏ اوَاتِ‏ وَالْ‏ ‏َرْضَ‏ كَانَتَا رَتْقً‏ ا فَفَتَقْ‏ نَاهُ‏ مَ‏ ا<br />

وَجَ‏ عَلْنَا مِ‏ نَ‏ الْ‏ ‏َاءِ‏ كُ‏ لَّ‏ شَ‏ يْ‏ ءٍ‏ حَ‏ يٍّ‏ أَفَلَ‏ يُؤْمِ‏ نُونَ{‏ ‏)سورة<br />

النبياء/‏ آية 30(، وكذا قوله األقدس ‏}خَ‏ لَ‏ قَ‏<br />

السَّ‏ ‏مَ‏ اوَاتِ‏ وَالْ‏ ‏َرْضَ‏ فِ‏ ي سِ‏ ‏تَّةِ‏ أَيَّامٍ‏ وَكَانَ‏ عَ‏ رْشُ‏ ‏هُ‏ عَ‏ لَى<br />

الْ‏ ‏َاء{،‏ ‏)سورة هود/آية 7(.<br />

ومن عجب أن يجيء العلم احلديث مبا<br />

يؤكد ذلك في النظرية التي قال بها العلماء<br />

املعاصرون بشأن خلق الكون،‏ ومضمونها ‏»أن<br />

تكون العالم بدأ منذ أن حتولت األبخرة األولى<br />

إلى ماء«.‏<br />

وفي التحليل األخير،‏ نرى أن التصور<br />

الكوني البابلي يؤكد مبا ال يدع مجاالً‏ للشك،‏<br />

أن التفكير في نشأة الوجود،‏ أدى إلى ظهور<br />

أساطير مختلفة وصلت إلينا منها بعض النماذج<br />

وتعد األسطورة البابلية أقدم منوذج وصل إلينا<br />

كأسطورة طويلة،‏ وهي مدونة على سبعة ألواح<br />

طينية تعرف لدى علماء اآلشوريات باسم ‏»ألواح<br />

اخلليقة السبعة«،‏ وحتتوي هذه األسطورة على<br />

نحو ألف بيت تقريباً‏ وتشير إلى أنه لم يكن<br />

في البدء سوى املاء العذب ‏»اإلله إيسو«‏ واملاء<br />

املالح ‏»اإللهة تيامة«،‏ وكانا مختلطني،‏ ثم ولدت<br />

منهما اآللهة اآلخرى متعاقبة،‏ وفي ذلك ما<br />

يشير إلى أن املادة ‏)املياه(‏ أزلية،‏ وهما في<br />

الوقت نفسه اإللهان اللذان جاءت منهما اآللهة<br />

ومن أعقابهما أعظم اآللهة لدى البابليني وهو<br />

‏»مردوخ«.‏<br />

واخلالصة أن هذه األسطورة البابلية<br />

بشأن خلق الكون تعتبر بوجه عام ضمن تلك<br />

األساطير التي سادتها فكرة عدم التكون الذاتي،‏<br />

أو النشأة الذاتية للكون،‏ بل إن ‏»الهيولي«‏ الذي<br />

هو املادة األولى للكون،‏ الذي كان على هيئة<br />

مياه )water( قد انقسم بقوة إلهية إلى مياه<br />

علوية وأخرى سفلية.‏ ومن املياه السفلية برزت<br />

األرض كجزيرة،‏ ومن ذلك يتضح أن املادة<br />

األولى للكون،‏ واجلوهر واألوحد للوجود،‏ في<br />

اعتقاد البابليني هو املاء الذي هو أصل كل<br />

شيء.‏<br />

3 ‏-التصور الكوني لدى اآلشوريني<br />

كانت قصص خلق الكون عند اآلشوريني ال<br />

تزيد على تلك الروايات،‏ التي تواترت إليهم من<br />

أقدم األزمنة،‏ والسيما تلك التي أثبتتها األلواح<br />

السبعة،‏ كما سبق أن أحملنا،‏ وكان اآلشوريون<br />

يتقبلون احلكايات الواردة في نصوصها القدمية<br />

وكأنها قضية مسلمة ال يعتريها الشك وال الظن،‏<br />

والسيما بعد أن أدخلوا على نصوصها األصلية<br />

تغييرات جوهرية فظيعة،‏ وقد نقلوا هذه<br />

األسطورة عن بابل حيث كان بطلها مردوك<br />

Merduk بابلياً‏ محلياً،‏ فلما نقلها اآلشوريون<br />

استبدلوا ببطل بابل هذا بطل إقليمهم وهو<br />

آشور،‏ وكان هذا بالفعل انتحاالً‏ مألوفاً‏ عند<br />

طائفة من القسس.‏ وإذا كان مردوك )Murduk(<br />

ابن آيا ،Ea كما ترويه األسطورة البابلية،‏ فإن<br />

أسطورة آشور تذهب إلى أن اإلله احمللي،‏ وهو<br />

آشور بن خلمو وال خامو.‏<br />

وفي هذا السياق،‏ أي معرفة التصور الكوني<br />

لدى اآلشوريون،‏ نرى أن أغلب األحداث الدنيوية<br />

في أحاديث الناس وعاداتهم،‏ كانت مرتبطة<br />

باألحداث الكونية الكبيرة،‏ ولعل املثال املثير<br />

في هذا املجال هو التعويذة ضد الدودة التي<br />

كان اآلشوريون في عام ألف قبل امليالد يرون<br />

فيها سبب األلم في األسنان،‏ وتبدأ التعويذة من<br />

نشوء الكون وتختتم بعالج ألم األسنان.‏<br />

التصورات اخلتامية حول الكون في حضارة<br />

وادي الرافدين.‏<br />

نخلص من كل ما سبق إلى أن الصراع بني<br />

النظام الكوني والهيولي،‏ كان مأساة تستحق<br />

93<br />

حول الكون في التصور العراقي القدمي

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!