alarabi_July-Comp
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />
الذي نظر إلى احلياة من داخل ما لها من تاريخ،<br />
في حني أخذ فائق حسن نفسه وفنّه بالعيش في<br />
الطبيعة، التي اجتذبه ألقها، فراح يُبرز ما يرى<br />
فيها من خصائص برؤية جمالية متفوّقة عليها،<br />
في الوقت الذي عاش فيه جواد حتت سلطتني:<br />
سلطة الواقع مبا له من اندفاعات حيّة، وسلطة<br />
التاريخ مبا له من متثيل خالد لإلنسان وجوداً<br />
ودوراً إنسانياً، متمثالً ذلك مبا وجد في تراث<br />
وادي الرافدين مما أبدعته حضارته القدمية،<br />
إذ راح يبحث لالثنني عن »زمان آخر« يُجسدهما<br />
فيه، كاشفاً عما يحملالن من روح إنسانية<br />
جديدة. في حني ظل فائق، واستمرّ يجلو »صور<br />
الطبيعة« كما تتمثل له، أو تتخايل لرؤاه، فمنها<br />
بدأ، وإليها/ بها سينتهي.<br />
وعلى هذا ميكن القول: إن لوحة الفنان<br />
فائق حسن ال تكتفي بأن تكون إدراكاً مباشراً<br />
جلانب من العالم »الطبيعي«، فتُجسّ ده فنياً<br />
ببعد جمالي مضاف، وإمنا هي عمل فنيّ<br />
يحمل وجهة نظر الفنان إلى العالم. فعادة ما<br />
يُقال، في مثل هذا املوقف، إن »الشيء« الذي<br />
يرسمه الفنان ليس هو »الشيء بذاته« مُدرَكاً<br />
إدراكاً حسياً محضاً، وإمنا هو »شيء« عبر<br />
فيه الفنان عن »رؤية ذاتية«، أو جاء نتيجة<br />
»متثّل ذهني« ناقالً إياه إلى عامله اجلمالي<br />
اخلاص من طريق اخلط واللون اللذين يُؤلف<br />
منهما »الشكل الفني«، مبا يأخذه هذا الشكل<br />
من أبعاد التعبير عنده. وهو ما جعل من<br />
النقّاد من يذهب إلى أن الفن، انطالقاً من<br />
هذا وتأسيساً عليه، يصنع جماله من نسيج<br />
»لغته« اخلاصة. فإذا كانت »الطبيعة« و»الواقع«<br />
هما العالم اجلمالي اخلاص بهذا الفنان، فقد<br />
جعل لكل منهما كيفياته في عمله الفني، مبا<br />
اجتمع لهذه الكيفية من مظاهر، وتأمالت،<br />
وأخيلة.<br />
فإذا أخذنا »علم اجلمال« بكونه »علم<br />
التعبير«، فإن النظر، بهذا املعنى/ البُعد، في<br />
عمل الفنان فائق حسن يقف بنا على أبعاد<br />
هذا العمل، وأخصّ ها: إن الفن عيان، وهو عنده<br />
عيان يأخذنا، ومن قبلنا أخذ الفنان، نحو جهة<br />
يتعنيّ بها هذا »العيان الشخصي« الذي رأى.<br />
وبهذا فهو يُعيد تكوين »الصورة في اللوحة«<br />
من خالل ذاته/ عيانه، من دون أن نغفل<br />
اإلشارة هنا إلى طبيعة تكوينه فناناً )أعني:<br />
التمثُّل واخليال عنده(، فبه/ ومن خالله يكون<br />
»التكوين اجلديد«.<br />
الفنان وخصائص هويته التجديدية<br />
في سياق هذه النظرة إلى عمل الفنان، التي<br />
حاولت أن ّ تستشفَ ما فيه من رؤية تكوينية،<br />
هل في مقدورنا الكالم عن »هويّة الفنان«<br />
ومتييزها ثقافياً؟<br />
ميكن القول: إن الفنان فائق حسن، كما<br />
يبدو لنا من خلالل عمله، كان فناناً شديد<br />
التأكيد على الشعور الداخلي، وعلى اإلحساس<br />
باألشياء في ما لها من طبيعة خاصة. وكانت<br />
العالقة عنده بني »الذات« و»التعبير« عالقة<br />
تكوينية، وإن حضوره في عمله هو حضور<br />
الرؤية واخلبرة.<br />
قد يسأل مشاهد، أو قارئ للوحته هنا،<br />
عن جتليات خياله املبدع في عمله الفني -<br />
كما يُفترض بعمل الفنان أن يقوم عليه - وما<br />
إذا كان بإمكان الفنان في ما له من مقدور<br />
فني، حتويل املشاعر واألحاسيس التي تُداخله<br />
إلى االنتظام في ما يُعرف ب»اخليال املُبدع«،<br />
خصوصاً أن عمله هذا ينزلق، بحكم مدرسته<br />
االنطباعية، إلى الواقع املتشخَ<br />
لقد كان فناناً مجدِّداً بانطباعيته هذه، ولم<br />
يكن يعنيه كثيراً أن تكون حتوالته الفنية، عمالً،<br />
بطيئة، في وقت كان فيه كل ما حوله، كما في<br />
محيط الفن في العالم الذي لم يكن فناننا<br />
منقطعاً عنه، ميضي في اجتاهات الكشف عن<br />
تقنيات جديدة وإشاعتها بوصفها ما ينبغي أن<br />
يتمثّل فيه »مستقبل الفن«.<br />
كانت أعماله تتعدد، وكلما ازدادت عدداً<br />
ازداد عامله غنىً بها/ ومن خاللها، وكانت<br />
ألوانه أقوى من الكلمات استجابة لعوامله هذه<br />
)من وجه املقارنة بيني اللوحة منه، والقصيدة<br />
من شاعر( ><br />
ّ ص.<br />
153<br />
فائق حسن... فنان الفضاء الطلق