alarabi_July-Comp
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
واعتدال طبائع املجتمع، كل هذا فعل فعله، فقد<br />
تغيرت األزمان وتغيرت معها أساليب املعاجلة. لذلك<br />
من غير املعقول أن ندمر اليوم جامعة السوربون بحجة<br />
أنها تقدمت في القرن اخلامس عشر بعريضة طالبت<br />
فيها بحرق جان دارك.<br />
- 2 يتحدث فولتير عن التسامح الديني في بعض<br />
بلدان الشرق األقصى، ويقول، مثالً، إذا كان إمبراطور<br />
الصني يونغ )ت: 1735( قد طرد الرهبان اليسوعيني<br />
من بالده، فإن ذلك لم يكن نتيجة االضطهاد الديني،<br />
وإمنا ألن هؤالء أثاروا الشغب في البالد بسبب<br />
مشاحناتهم مع الرهبان الدومنيكان. وكذلك احلال في<br />
اليابان، التي كان أهلها أكثر الناس تسامحاً، وتعايشت<br />
فيها اثنتا عشرة ديانة بأمان وسالم، ولكن عندما جاء<br />
اليسوعيون رفضوا بقية األديان، وتسببوا في نشوب<br />
حرب أهلية، وبالتالي زالت املسيحية من اليابان،<br />
وأغلق اليابانيون إمبراطوريتهم في وجه بقية العالم.<br />
وهذا دليل على النتائج اخلطيرة للتعصب الديني.<br />
- 3 يقول فولتير: لو لم تُوفّْر معاهدة وستفاليا<br />
)التي عُقدت بني الدول األوربية في عام 1648 بعد<br />
حروب دينية استمرت عشرات السنوات( حريةَ<br />
املُعْتقد، لكانت أملانيا اليوم صحراء تغطيها بقايا<br />
عظام البروتستانت والكاثوليك، الذين ذبح بعضهم<br />
بعضاً. ويؤكد فولتير أن خير وسيلة للتخفيف<br />
من هوس املتعصبني دينياً اعتماد العقل الرشيد<br />
الذي يحث على خنق الفتنة في املهد والتمسك<br />
بالفضيلة.<br />
- 4 يرى فولتير أن التعصب الديني يخالف<br />
الطبيعة البشرية، فاملبدأ األساس لكل القوانني<br />
واحد في كل أرجاء املعمورة، وهو »عامل اآلخرين<br />
بالطريقة التي ترغب أن يعاملك اآلخرون بها«.<br />
وانطالقاً من هذا القانون، كما يقول فولتير، ال<br />
يحق إلنسان أن يقول إلنسان آخر: »تخلَّ عن دينك<br />
واعتنق ما أؤمن به وإال مصيرك القتل أو املوت«.<br />
- 5 يشير فولتير إلى التسامح الديني في<br />
العصور القدمية، ويقول إن الشعوب كانت حتترم<br />
آلهة بعضها حتى ولو كانت في حالة حرب،<br />
فالطرواديون كانوا يُصَ لون آللهة أعدائهم اإلغريقي<br />
في أثناء قتالهم. وعندما غزا اإلسكندر املقدوني<br />
مصر ذهب إلى الصحراء الليبية الستشارة اإلله<br />
املصري آمون. ويَخْ لص فولتير إلى القول: إن الدين<br />
كان في أوج احلرب يجمع بني البشر.<br />
- 6 يتحدث فولتير عن التسامح الديني في<br />
العصر الروماني، حيث ينفي تعرض املسيحيني<br />
لالضطهادات الدينية، ألن احلرية الدينية كانت<br />
مباحة في اإلمبراطورية. ويؤكد أن ما عانى منه<br />
املسيحيون من قتل وتعذيب لم يكن ألسباب دينية،<br />
بل ألمور تتعلق بأمن الدولة الرومانية، فبعض<br />
املسيحيني احتقروا آلهة الرومان وقوَ ّضوا معابدَهم<br />
ومزقوا مراسيم األباطرة. ويضيف فولتير: لو<br />
ّ صحَ أن الرومان اضطهدوا املسيحيني ملمِ َا وجدنا<br />
أساقفة الرومان األوائل ينعمون باألمن والسالمة،<br />
وملَا سمح الرومان بعقد املجالس الكنسية، وملمِ َا<br />
متكن املسيحيون من التبشير بدينهم في أرجاء<br />
اإلمبراطورية. ويقول: لو فرضنا أن األباطرة<br />
اضطهدوا املسيحيني بسبب دينهم، فالرومان في<br />
هذه احلالة مدانون، فهل نريد اقتراف مثل هذا<br />
الظلم بدورنا؟<br />
- 7 يؤكد فولتير أن السيد املسيح لم يضع<br />
قوانني دموية، ولم يأمر بالتعصب أو ببناء سجون<br />
محاكم التفتيش، ولم يُنصّ ب جالدي احملارق، بل<br />
توسل إلى الله كي يغفر ألعدائه.<br />
- 8 يختتم فولتير رسالته بدعوة املسيحيني في<br />
عصره إلى أن يكونوا متسامحني مع بعضهم ومع<br />
كل أصحاب األديان والعقائد، ويقول: إنها جسارة<br />
المتناهية أن نحكم باللعنة األبدية على كل من ال<br />
يفكر على منوالنا.<br />
لقد أحدث كتاب فولتير »رسالة في التسامح«<br />
تأثيراً عميقاً في املجتمع الفرنسي. وأسهم في<br />
تغيير كثير من مالمح احلياة في أوربا عامة، من<br />
خالل دعوته إلى التسامح واحلرية وحتكيم العقل<br />
ونبذ اخلرافات واألساطير، وبنيَّ أن التعصب<br />
يتنافى مع الطبيعة اإلنسانية وجوهر األديان.<br />
ولعبت أفكارُه وأفعالُه دوراً مهماً في التمهيد للثورة<br />
الفرنسية وصوغ أهدافها في احلرية واملساواة<br />
واإلخاء. وميثل قوله املشهور »إني أخالفك الرأي<br />
ولكني أدافع عن حقك في الكالم وحرية التعبير<br />
عن أفكارك حتى املوت«، دعوة دائمة للتسامح<br />
واحلرية ><br />
العدد - 692 يوليو 2016<br />
98