alarabi_July-Comp
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
رأياً قريباً من الواقع، هو أن أسس احلضارة<br />
السومرية، التي ازدهرت في عصر السالالت،<br />
ميكن إرجاعها إلى األطوار احلضارية )عصور<br />
ما قبل السلالالت(، مما يشكل استمراراً<br />
حضارياً، أي إن أصول احلضارة السومرية<br />
نشأت في العراق، وبالتالي ميكن تتبع أسسها<br />
وأصولها فيه منذ أقدم األزمان. وكان ذلك في<br />
فترة، تراوحت تقديرات املؤرخني بشأنها، في<br />
ما بني أوائل القرن الثالثني قبل امليالد، والقرن<br />
الثامن والعشرين قبل امليالد.<br />
وخالصة القول، إنه مهما كان أصل<br />
السومريني واملهد الذي نزحوا منه، فاألمر<br />
املهم من الناحية احلضارية، هو أننا نعرف<br />
نشوء حضارتهم وتطورها ومراحل ذلك التطور<br />
وخصائصها، وأنها نشأت في القسم اجلنوبي<br />
من العراق. كما أن البحث في أصلهم وعرقهم<br />
من األمور التي ال تقود الباحث إلى شيء،<br />
وذلك على فرض أنه يستطيع أن يعرف ذلك<br />
في املستقبل.<br />
ب - الكون لدى السومريني<br />
يشي الواقع التاريخي ملعطيات حضارة<br />
سومر، في هذا املنحى العلمي الدقيق، بأن<br />
فقهاء سومر قد تخيلوا السماء واألرض في<br />
بداية أمرهما ملتصقتيني يحيط بهما محيط<br />
مائي عظيم، وكان في أولهما إله مذكر وهو »آن«<br />
أو »آنو« الذي اعتبروه اجلد األكبر للمعبودات،<br />
ثم إلهة مؤنثة »كي«، ونتج عن اتصال هذين<br />
الزوجني عنصر ثالث، وهو »إنليل« رب الهواء<br />
واألنفاس والفضاء الذي تدخل بينهما وفصلهما،<br />
ورفع أباه »آن« بسمائه إلى أعلى، وحط بأمه<br />
»كي« إلى أسفل حيث اختلط بها، وترتب على<br />
وجوده معها أن بدأ ظهور بقية األرباب، ومنهم<br />
من سموا باسم األنوناكي اخلمسني العظام<br />
والسبعة أصحاب املصائر، ثم بدأ خلق النباتات<br />
واألنعام والناس.<br />
إن التصور الكوني لدى السومريني، يجعل<br />
الباحث املعاصر يصل إلى قناعة عملية<br />
تاريخية مفادها، أن أرباب السماء واألرض<br />
والهواء - وفقاً لهذا التصور- قد تسنى لهم<br />
املشاركة في النشأة عند السومريني ف »إنكي«<br />
روح املاء احمليط بالسماء واألرض، وكان<br />
ابن هو »منو« الذي مثل عنصر األمومة في<br />
احمليط األزلي، وزوج هو »متاخ«، أي السيدة<br />
العظمى، التي لقبت أيضاً بلقب »نينتو« مبعنى<br />
السيدة الوالدة، ولهذا كان »إنكي« يعتبر إلها<br />
للماء وللحكمة ومقرراً ملصائر األقطار واملدن<br />
وحافظ نواميس احلضارة في كل مظاهرها<br />
املادية والروحية، واملوصي مبظاهر احلياة<br />
إلى أربابها، مثل »دوموزي« الذي عهد بخصوبة<br />
األنعام وخصوبة األرض و»إشكود« الذي عهد<br />
إليه بأمر الرياح، إن كل هؤالء اآللهة – وفقاً<br />
للتصور السومري – قد شاركوا في نشأة الكون<br />
وتكوينه.<br />
وفي التحليل األخير، نرى أن التصور<br />
السومري للكون، يؤكد لنا أن حضارة سومر قد<br />
عرفت آلهة متعددة، عرفت بآلهة الكون وهي<br />
على النحو التالي:<br />
اإلله األول: إله السماء: آن، آنوم، آن<br />
»An Anum An«<br />
و»أن« تعني أصلالً السماء في اللغة<br />
السومرية وتقابلها »شامو« في األكدية، ومن ثم<br />
فإن »آنو« أو »آنوم« هو إله السماء، وهو أيضاً<br />
أب السماوات وملكها، وعرشه على قمة قبة<br />
السماء، وحني حدث الطوفان جلأ إليه اآللهة<br />
مذعورين ليحتموا به، وجثوا كالكالب إلى<br />
جانب حائط السماء.<br />
وفي هذا السياق تشير املصادر التاريخية<br />
إلى أن هؤالء اآللهة قد ظلوا كذلك حتى قدم<br />
أهم »زيوسودرا« قرابيني التضحية فوصلت<br />
رائحتها إلى خياشيمهم وعنذئذ اطمأنت<br />
قلوبهم، وعلى عتبته، أي »آنو«، يقف »ذوموزي«<br />
و»جشزيدا« اإللهان الوحيدان اللذان ذاقا<br />
املوت، ويحكم »آنو« مجموعتني من اآللهة<br />
هما ال »أجيجي« في السماء، وال »أنوناكي«<br />
في األرض، وهم الذين يقتسمون التصرف في<br />
شؤون العالم بإشرافه وكان مقر عبادة »آنو«<br />
العدد - 692 يوليو 2016<br />
90