alarabi_July-Comp

Recommendations

Info

الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016 مشهد من فيلم ستوكر ‏)الطواف(‏ املشهدية الطويلة كعمل بصري فذ في حد ذاته؛ كلحظة وجودية خالصة.‏ الروح في سينما تاركوفسكي لم يوجد في تاريخ السينما من أوقف حياته للتعبير عن الروح اإلنسانية مثلما فعل تاركوفسكي،‏ الذي آمن بأن اإلنسان كائن روحاني باألساس.‏ هذا ما مييزه عن كبار مخرجي السينما اآلخرين الذين اهتموا أيضاً‏ بالروح اإلنسانية،‏ ففي حني تناولوا هم الصراع الروحي كجزء من احلبكة،‏ نراه في أوقات فراغ الشخصيات املغروسة في القضايا السيكولوجية أو االجتماعية أو العاطفية،‏ كانت الروح عند تاركوفسكي هي احلبكة ال جزءًا من احلبكة؛ هي املعمار اخلفي الذي يشيد عليه الفيلم بأكلمه،‏ بل ويربط بني أفالمه وبعضها بعضاً.‏ من أجمل أفالمه التي يبدو فيها ذلك جلياً‏ فيلم ‏»الطواف«؛ الذي تخوض فيه ثالث شخصيات ‏»الطواف،‏ والكاتب،‏ والعالم«‏ رحلة روحانية مكثفة في ما يسمى ب ‏»املنطقة«؛ وهي منطقة غريبة وخطرة حتدث فيها أشياء عجيبة وتوجد فيها ‏»حجرة األماني«‏ التي حتقق أعز أمنيات اإلنسان إلى قلبه.‏ إن هدف الرحلة لدى الشخصيات الثالث هو هدف شخصي،‏ لكن الصراع ذو طبيعة واحدة لهم جميعاً:‏ البحث عن اخلالص،‏ عن النور،‏ عن احلقيقة،‏ عن اإلميان في أرواحهم التعبة.‏ والطواف هنا مبنزلة املرشد الذي يعرف ‏»املنطقة«‏ ويقودهم خالل دروبها اخلطرة،‏ وهو يفعل ذلك باالستماع إلى الصوت الداخلي لروحه،‏ باستخدام حدسه ال معرفته،‏ ألن املعرفة ال قيمة لها في ‏»املنطقة«؛ فالطرق تتغير وتتبدل،‏ وما يكون مأموناً‏ في حلظة يكون مميتاً‏ في اللحظة التالية؛ حواجز وشراك ال تنفع معها املعرفة،‏ وال سبيل ينجح إال الغنوصية،‏ واإلنصات للصوت الداخلي البدائي والفطري الذي فقده اإلنسان احلديث بالالمباالة؛ اإلنصات للحقيقة املدفونة داخل اإلنسان.‏ كان تاركوفسكي يعتقد أن مهمته هي إيقاظ ذلك الصوت الداخلي في أرواح املشاهدين،‏ مثله مثل الطواف الذي يحاول الوصول بالكاتب والعالم إلى حجرة األحالم،‏ وأيضاً‏ كمثل الشاعر املنفي في الغربة ميشي 145 أندريه تاركوفسكي:‏ صناعة األفالم تعني البحث عن اجلمال اخلالص
حامالً‏ شمعة يحاول احلفاظ على نورها في ‏»نوستاجليا«.‏ سلوك الطواف يبدو لنا شاذاً‏ كمشاهدين،‏ فبدالً‏ من أن يشق طريقه في ‏»املنطقة«‏ واثقاً‏ كمرشد يعرف طريقه،‏ فإنه على العكس يبدو متردداً،‏ معوالً‏ على اإلميان الذي سيقوده إلى األمان،‏ حريصاً‏ على أال يشوش أو يؤذي أو يبعث االضطراب في أي شيء داخل ‏»املنطقة«،‏ إنه ينصت إلى صوته الداخلي فيلم املرأة عام 1975 وإلى صوت ‏»املنطقة«‏ في الوقت نفسه،‏ ينصت لصوت احلقيقة،‏ لصوت اإلله عبر رحلة احلياة.‏ متاماً‏ مثل صانع األجراس الصغير في فيلم ‏»أندريه روبليف«‏ الذي يقوده اإلميان واالستماع لصوت روحه الداخلي إلى التوصل إلى سر تركيب مادة جرس الكاتدرائية دون معرفة مسبقة.‏ إن املعرفة احلقيقية عند تاركوفسكي هي املعرفة الغنوصية،‏ هي النجاح في اإلنصات لصوت الروح.‏ قرب نهاية الفيلم،‏ يتشكك الطواف نفسه في وجود ‏»املنطقة«‏ وجوداً‏ مادياً‏ فعلياً،‏ فيقول لزوجته متسائالً:‏ ‏»ال أحد يؤمن ب ‏»املنطقة«...‏ مبن آتي إلى ‏»حجرة األحالم«‏ إن لم يوجد من يؤمن بها؟!«.‏ وتبني كلمات تاركوفسكي في مذكراته ‏»زمن داخل الزمن«‏ أن ‏»املنطقة«‏ رمبا لم توجد يوماً‏ إال في عقل الطواف فقط.‏ وهو ما يتوافق مع رؤية تاركوفسكي بأن ‏»غرفة احلقيقة«؛ يحملها كل إنسان داخل نفسه.‏ هكذا كان تاركوفسكي منقباً‏ عن معنى الوجود اإلنساني،‏ عن األسئلة اخلاصة باحلقيقة،‏ واملطلق،‏ واإلله،‏ ولذلك ال تقف أفالمه عند حدود سرد حكاية بسيطة،‏ بل نستطيع أن نغفل احلبكة ‏»احلكاية«‏ وتظل أفالمه لها األهمية نفسها.‏ وشخصيات أفالمه تتحمل كل ذلك؛ إنها شخصيات حتمل الوجود بأكمله على أكتافها،‏ حتمل،‏ كما حمل تاركوفسكي نفسه،‏ راية منقوشاً‏ عليها:‏ الروح،‏ الزمن،‏ اخللود،‏ الغنوصية،‏ وهو واقف على العتبة التي تفصله كفرد عن زحام السينما السائدة.‏ من املهم مالحظة أن أعمال تاركوفسكي حتمل عناوين فردية وذاتية:‏ ‏»طفولة بوستر فيلم طفولة إيفان عام 1962 ونال عنة جائزة األسد الذهبي في مهرجان فينيسيا إيفان«،‏ ‏»أندريه روبليف«،‏ ‏»الطواف«،‏ ‏»املرآة«،‏ ‏»نوستاجليا«،‏ ‏»القربان«.‏ إن شخصيات تاركوفسكي ممتلكة لفرديتها على الدوام،‏ وال ميتصها العالم اخلارجي بكل إلهاءاته،‏ وال هي تنسى نفسها فيه؛ إنها غير قابلة للبيع.‏ كما أننا نلمح تاركوفسكي نفسه حتت جلد كل شخصية من شخصياته،‏ بالرغم من أنهم بعيدون عن التشابه،‏ كتناقض اإلنسان وجتانسه في الوقت نفسه،‏ كتناقض الفن العظيم وجتانسه في الوقت نفسه.‏ إن تاركوفسكي هو آخر شخص ميكن أن نلمس لديه شيئاً‏ من التظاهر أو االدعاء،‏ فلم يكن يسمح بافتعال أي شيء،‏ وال حتى شخصياته،‏ لم يكن يسمح باخلروج عن حدود أناه اخلاصة،‏ فمن خالل معرفته الدقيقة بذاته كان يلمس األوتار التي حترك أبطاله.‏ املبارزة مع العمل الغنوصية واملعرفة القبلية واحلدس التي آمن بها لم تعن له إطالقاً‏ الركون إلى الكسل،‏ بل رافقها إميان راسخ بأن على الفنان أن ميلك قوة إرادة عظيمة حتى تكون جهوده مثمرة،‏ وحتى متنح أعماله طابع التفرد.‏ كان تاركوفسكي ال يكف عن التأمل بعناد لكل تفاصيل العمل،‏ وكان يعرف كم يكلف من اجلهد الشاق جعل عمل فني ينبثق من حلم يقظة.‏ املبارزات بني تاركوفسكي واملادة اخلام لم تتوقف أبداً‏ وهو يحولها إلى عناصر فنية،‏ متعقباً‏ تلك العناصر مبزيد من التركيز والتفحص في سلسلة متصلة من التنقيحات،‏ كأنه فنان يخوض نزاالً‏ مع عمله الفني.‏ وهذا ما يتضح لنا من النسخ املعدلة من السيناريوهات التي كتبها ألفالمه،‏ والسيناريوهات الفنية للتصوير،‏ ومالحظات املونتاج،‏ فضالً‏ عما ورد عن ذلك في كتابيه ‏»زمن داخل الزمن«‏ و»النحت في الزمن«،‏ التي تبني أنه كان يعمل باستمرار،‏ وأنه كان مشغوالً‏ بالتعديالت باستمرار.‏ من األمثلة املهمة على ذلك؛ إعادة تصوير فيلم ‏»الطواف«‏ ثالث مرات كاملة.‏ العدد - 692 يوليو 2016 146
Page 1 and 2:
العدد > 692 رمضان / شو
Page 3 and 4:
العدد - 692 رمضان،‏ ش
Page 6 and 7:
الكويت عاصمة الثقا
Page 8 and 9:
Page 10 and 11:
Page 12 and 13:
Page 14 and 15:
Page 16 and 17:
Page 18 and 19:
أوراق أدبية الكويت
Page 20 and 21:
Page 22 and 23:
Page 24 and 25:
Page 26 and 27:
Page 28 and 29:
Page 30 and 31:
Page 32 and 33:
Page 34 and 35:
Page 36 and 37:
Page 38 and 39:
Page 40 and 41:
Page 42 and 43:
Page 44 and 45:
Page 46 and 47:
Page 48 and 49:
Page 50 and 51:
Page 52 and 53:
Page 54 and 55:
Page 56 and 57:
Page 58 and 59:
Page 60 and 61:
Page 62 and 63:
Page 64 and 65:
Page 66 and 67:
Page 68 and 69:
Page 70 and 71:
Page 72 and 73:
نقد الكويت عاصمة ال
Page 74 and 75:
Page 76 and 77:
Page 78 and 79:
Page 80 and 81:
Page 82 and 83:
ّ الكويت عاصمة الثق
Page 84 and 85:
Page 86 and 87:
Page 88 and 89:
تاريخ وتراث الكويت
Page 90 and 91:
Page 92 and 93:
عاصمة الثقافة اإلس
Page 94 and 95: شخصيات الكويت عاصم
Page 96 and 97: الكويت عاصمة الثقا
Page 98 and 99: شخصيات الكويت عاصم
Page 102 and 103: ملف الكويت عاصمة ال
Page 130 and 131: وزارة اإلعالم نستق
Page 178 and 179: المسابقة الثقافية
Page 194 and 195:
Page 196 and 197:
Page 198 and 199:
Page 200 and 201:
Page 202 and 203:
Page 204 and 205:
Page 206 and 207:
Page 208 and 209:
show all

alarabi_July-Comp

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

Delete template?

Save as template?