alarabi_July-Comp
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />
وصرامة األرض، وصرامة الواقع، وصرامة<br />
الهزمية: فهذه الطفولة هي طفولة الشاعر. ولو<br />
تصورت مجتمعاً مقفالً، منغلقاً على نفسه، يكفر<br />
بكل القيم، وبكل شيء، ما عدا ماضيه العريق<br />
املشحون باخلرافات واملتناقضات والعقول<br />
الصفراء والوجوه العابسة في بالده، الراضي<br />
في خمول: فهذا هو املجتمع الثقافي الذي نشأ<br />
فيه. ولو تصوَّرت إنساناً طويلالً نحيالً، حزين<br />
الوجه، رقيق املزاج، يحمل داخل نفسه كلَّ تلك<br />
الظروف: إذن لتكونت لديك شخصية الشاعر<br />
فوزي العنتيل«.<br />
ثم يقول محمد الفيتوري في اللوحة القلمية<br />
البديعة التي رسمها لصديقه الشاعر: »وإذن<br />
فطبيعي جدّاً أن يكون مفتاح هذا الواقع شاعراً،<br />
وأن يكون شعره انعكاساً لواقعه، وأن يكون شعره<br />
مثله حبّاً للناس كلهم إال اجلانب الشرير فيهم،<br />
وعناقاً للطبيعة كلها إال اجلانب غير املضيء<br />
منها، وجتاوباً بعيداً عميقاً عُمق ما في هذه<br />
احلياة من جتاوب. والذى يلتقي عنده الدارسون<br />
لشعره، أنه ظاهرة شعرية منبئة، ونقلة فوقية<br />
رحبة للتعبير الشعبي اجلماعي املصري، من دور<br />
جتربة املوال احمللية إلى دور التجربة الشعرية<br />
اإلنسانية«.<br />
يكمل هذه اللوحة القلمية البديعة التي<br />
تنطق بروح الشعر وتوهجه، كما رسمها الشاعر<br />
املصور محمد الفيتوري لصديق ورفيق حياته في<br />
رابطة النهر اخلالد – ما عبر عنه الناقد الكبير<br />
د. محمد مندور في تقدميه للديوان األول للشاعر،<br />
وهو ديوانه »عبير األرض«. بعد أن شدّ انتباهه<br />
عكوف الشاعر على عالم القرية بهذا العمق<br />
والشمول، منحازاً إلى الفقراء املطحونني واألُجراء<br />
املستذلني قائالً: »لقد تقيد الشاعر مبذهب واحد<br />
هو صدق الوجدان وصدق التجربة البشرية، وإن<br />
يكن وجدان الشاعر من االتساع بحيث لم ينطو<br />
على نفسه، وال اقتصر على حياته اخلاصة، بل<br />
شمل األرض والسماء والريف وأهله. وتوحّ دت فيه<br />
مشاعر اجلمال واإلحساس به، سواء أكان هذا<br />
اجلمال شيئاً ميُ سّ ، أم شوقاً تهفو إليه الروح.<br />
وال غرابة في ذلك، فاحلب هو منبع الشعر<br />
األصيل، وهو ال يقتصر على حب املرأة أو حب<br />
الذات، بل ميتد إلى حب الطبيعة، بل وحب الله،<br />
فضلالً عن حب املجتمع، وحب الغير، واحلنوّ على<br />
آالم الناس وآمالهم«.<br />
يقول فوزي العنتيل في القصيدة التي حمل<br />
اسمها ديوانه األول »عبير األرض«:<br />
مازلت أشدو، وحلني يهزّ حولي القرونا<br />
لقد بذرت غنائي، في الكائنات، حنينا<br />
فأزهرت كلماتي، فوق الربى ياسمينا<br />
وشققّ ت صرخاتي، حناجرُ الثائرينا<br />
فإنَّ شعبيَ ما عادَ ضائعاً مستكينا<br />
لقد أحبَّ ضياء احلياة، يهدي العيونا<br />
أحبَّ فوق رباه، هذا التراب الثمينا<br />
***<br />
يا أرضُ ، يا أمُّ ، إني ظامٍ إلى فيض نورك<br />
فأنتِ أفراح عمرٍ ، عمّ قْ ته في جذورك<br />
إني خلطْ تُ دمائي وثورتي بعبيركْ<br />
فأَنْبتي في ضلوعي، نور الضحى، من بذورك<br />
ألشرب الفجر خمراً، عتَّقْ تُ ها في ضميركْ<br />
إني أحبُّ كِ ، إني أُحبُّ فيك وجودي<br />
يا أرض، يا أمُّ ، هبّت على صباي البعيد<br />
نسائمُ الفجر تندى، على خطايَ الشريدِ<br />
***<br />
إني هنا يا حقولي، يا جنتي يا خلودي<br />
مازلتُ ، كاألمسِ طفالً، يُحبّ كلَّ الوجودِ<br />
مازلتُ أنفخُ نايَ الضحى، لشعبي الشهيدِ<br />
حتى يُفيق وميضي، مدمدماً كالرعودِ<br />
ولنتأمل معاً، هذا التدفق الشعري اآلسر،<br />
وهذا االنسياب في التعبير والتصوير، وهذا<br />
اإليقاع املوسيقي اجلياش، الذي ظل يالزم شعر<br />
فوزي العنتيل، من بداياته حتى خواتيمه، وهذه<br />
اللغة الشفيفة الطيِّعة، التي يصنع منها – بكل<br />
يُسر ومهارة – أبهاء عامله الشعري، في تواضع<br />
الكبار، وأصالة البنائني العظام. وهو في هذه<br />
البواكير الشعرية، التي متثل إبداع البدايات،<br />
وجينات التكوين األول، وحتمل طقوس التقاليد<br />
والعادات واملوروثات الشعبية القدمية، وروح<br />
15<br />
»أيها القمر« مع الشاعر املصري فوزي العنتيل وأحلان البدايات