alarabi_July-Comp
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />
هذه الشقوق التي تركتها الدولة،<br />
حترك فيها هذا النموذج بسرعة ليمأل<br />
الفراغ. فداعش ليس تنظيماً عسكرياً<br />
في تونس، بل هو ظاهرة اجتماعية،<br />
نفسية، سياسية، واقتصادية، وحتى<br />
إعالمية، واألهم شبابية؛ يجد فيها<br />
كثير من الشباب احللم/الوهم الذي<br />
يبحثون عنه. فاملهاجرون التونسيون<br />
إلى داعش يبحثون عن »دولة جديدة،<br />
تنتدب شعباً جديداً، من دون املرور<br />
عبر طابور طويل من املناظرات<br />
واملصعد االجتماعي الطويل«؛ وهي<br />
هجرة جماعية من مشاعر التهميش<br />
والفقر واحتقار الذات، إلى »مشاعر<br />
الفخر واالعتزاز بالذات، واالنتقال<br />
من الهامش إلى قادة في املركز<br />
اجلديد!«.<br />
وغير بعيد عن تونس، فإن<br />
نتائج حتقيقات اجتماعية حول<br />
ظروف وأصول الشباب اإلرهابيني<br />
في املغرب، تدعم وتؤكد النتيجة التي<br />
توصل إليها برهام بخصوص تونس.<br />
فأكثر اإلرهابيني يتحدرون من أحياء<br />
هامشية فقيرة تعاني كثافة سكانية<br />
هائلة، ويشكل النازحون القرويون 80<br />
في املائة من سكانها. أحياء تنتشر فيها<br />
البطالة، تعاني التهميش واإلقصاء،<br />
واالفتقار إلى املرافق والفضاءات التي<br />
تتيح للشباب استثمار أوقات فراغه<br />
وتطوير إمكاناته وقدراته، ما يجعلهم<br />
أسهل استقطاباً إلى اجلماعات<br />
املتشددة، التي جتد في أحزمة الفقر<br />
تربة خصبة ألفكارها ومعتقداتها.<br />
األحياء الفقيرة املنتجة للتطرف<br />
بشتى أنواعه، سواء كان تطرفاً دينياً،<br />
أو تطرفا في السلوك واالنحراف،<br />
من قبيل تفشي اجلرائم واملخدرات،<br />
الوعي املتدني الذي ميس كثيراً هذه<br />
الفئات، الذي يجعل بنيتها هشة قابلة<br />
لالستقطاب من أي جهة متطرفة،<br />
فضلالً عن اإلغراءات املادية التي<br />
تستقطب بها هذه التنظيمات هؤالء<br />
الشباب، ما يجعلهم يرون في االلتحاق<br />
خالصاً دنيوياً وأخروياً معاً.<br />
فالشباب الذين يتجهون نحو<br />
اإلرهاب والعنف عموماً، يجسدون<br />
العالقة املفترضة بيني أحزمة الفقر<br />
في األحياء املهمشة، واإلرهاب<br />
والعنف الديني، على الرغم من أنهم<br />
قد ال ميثلون احلقيقة كلها، لوجود<br />
حاالت لشباب في وضعية اجتماعية<br />
واقتصادية جيدة وقعوا أيضا في<br />
براثن العنف الديني. إال أن التجارب<br />
دلت على أن املدمجني اجتماعياً من<br />
أقل الناس التحاقاً بالتطرف، وبخاصة<br />
في الدول اإلسالمية.<br />
الدولة اإلسالمية املغذية لداعش<br />
فشلت تنمويًا وثقافيًا، ولم تنجح في<br />
دمج الشباب في اللعبة السياسية،<br />
وال إقناعهم باملؤسسات التمثيلية<br />
االنتخابية لتحسني ظروفهم، فتفشّ ت<br />
القناعة بأنّ هذه األنظمة وصلت<br />
إلى مرحلة من االستبداد والفساد<br />
واإلقطاع السياسي والتوريث في<br />
املصالح بني فئة محدودة، مع استبعاد<br />
الشريحة االجتماعية الواسعة من<br />
الكعكة االقتصادية والسياسية.<br />
فثقافة العنف واإلرهاب نشأت وأينعت<br />
في ظل عوامل اقتصادية - اجتماعية<br />
متدنية.<br />
البنية الثقافية للفقر<br />
سلوك العنف أو التسامح،<br />
واملشاركة السياسية، وقبول االختالف<br />
وغير ذلك، هي أمور حتددها البنية<br />
الثقافية للمجتمع، فاملجتمع يتكون<br />
من بنية أساسية تشكل القاعدة<br />
االقتصادية، ويشمل البنية االقتصادية<br />
مبا حتويه من الوسائل واألدوات التي<br />
تنتج بها نفسها وثروتها، وبنية فوقية<br />
تشمل كل ما هو ثقافي باملفهوم الواسع<br />
للثقافة، من عقائد وسياسات وفنون<br />
وآداب وأعراف وتعليم وقوانني، حتدد<br />
طرق التفكير وأساليب احلياة ومناذج<br />
السلوك التي تنشأ نتيجة األساس<br />
االقتصادي من ناحية، وتستخدم في<br />
إنتاج وإعادة إنتاج هذا األساس من<br />
ناحية أخرى.<br />
فالثقافة بنية فوقية لقاعدة<br />
اقتصادية، فإذا كانت هناك بنية<br />
حتتية اقتصادية قوية، فبالتأكيد<br />
سيزدهر الوعي والثقافة بني الناس.<br />
إن املمارسة الثقافية واملنتج الثقافي<br />
ليسا مجرد أجزاء اشتقت من نظام<br />
اجتماعي، أو بعض عناصر انفصلت<br />
عن نسق مت تشكيله مبعزل عنها، وإمنا<br />
هما عناصر أساسية وبنى جوهرية في<br />
تشكيل هذا النظام وبنية ذلك النسق.<br />
إن األحياء السكنية الفقيرة التي<br />
تعاني احلرمان والبطالة املتشابكة مع<br />
مستويات متدنية في الصحة واإلسكان<br />
والتعليم، تكتسب سمات أكثر خطورة،<br />
منها: السمعة السيئة، مستويات<br />
اجلرمية املرتفعة، وكثرة االضطرابات<br />
الناجتة عن سوء التفاعل االجتماعي،<br />
وهذه السمات السلبية حتد من<br />
الفرص املتاحة أمام السكان، وتخفض<br />
نوعية حياتهم، وتخلق في نفوسهم<br />
مشاعر العجز واالغتراب، وتغذي<br />
سلوكيات العنف والالتسامح.<br />
فحني يعجز األب الفقير احملبط<br />
عن رفع الظلم االجتماعي عن أسرته،<br />
يحاول أن يستبدل به أفعاالً وتصرفات<br />
استحواذية، تعيد إليه بعضاً من<br />
كرامته املفقودة، ويتجلى هذا في<br />
استخدام العنفيني املعنوي واملادي<br />
جتاه الزوجة واألبناء وغيرهم، بهدف<br />
195<br />
اإلرهاب رديف اإلقصاء