alarabi_July-Comp
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
التاريخ، وتظل مكتنزة بنوع من التساؤل املستمر<br />
املسكون بهدم ما هو قائم ومكرس، واالنفتاح<br />
على املستقبل واآلتي، ومن ثم فهي بهذا الفهم<br />
تنحاز دائماً إلى أحد طرفي »ثنائية مستمرة عبر<br />
الزمن، بني ما هو جاهز، معد، مكرس، شائع،<br />
مقبول اجتماعياً على املستوى العريض، وما هو<br />
متمرد، داحض، مقلق، هامشي، يسعى إلى نظام<br />
قيمي مستعصٍ بطبيعته على التحقق، ومتعدٍ<br />
دائماً«.<br />
إال أن السؤال الذي يستثيرنا في هذا<br />
السياق، وقد استوقف من قبل الناقد الفلسطيني<br />
فيصل دراج في دراسته اللماحة عن إدوار<br />
اخلراط املنشورة بكتابه »نظرية الرواية والرواية<br />
العربية«: أال يعد هذا التمييز بني احلساسية<br />
اجلديدة واحلداثة غير مقنع، وال يؤكد متاسكه<br />
املنهجي تاريخ اآلداب العاملية، ومن ضمنه تاريخ<br />
األدب العربي ألن الكثير من نتاج احلداثة الذي<br />
وُسم ب »الكونية والرؤيوية«، وأصر اخلراط<br />
على تعاليه على التاريخية والزمنية، واحتفاظه<br />
بطابعي »االختالف واملغايرة« قد حتول بدوره<br />
إلى نظام آخر من التقاليد املعتمدة املستوجبة<br />
للتجاوز والتخطي، الستيالد منعطف إبداعي<br />
جديد ممتد في الزمن والتاريخ، ومستغور<br />
لتحوالت احلضارة اإلنسانية في مختلف<br />
مجاالتها؟ كما أن اعتبار اخلراط للحداثة بكونها<br />
قيمة في العمل الفني تدمغه بالتجاوز لألشكال<br />
والصيغ اإلبداعية السائدة، يتجاهل أيضاً - وفق<br />
فيصل دراج - ما يكتنف مفهوم القيمة نفسه من<br />
حتول وجتدد دائمني يجعلها تتراوح بني البناء<br />
والهدم املستمرين تساوقاً مع آفاق انتظار القراء،<br />
وتشربهم بواسطتها خلصوصية سياقاتهم<br />
املجتمعية واحلضارية، وما جتيش به من طفرات<br />
نوعية على مختلف البنى املادية واالجتماعية<br />
والثقافية.<br />
وتأسيساً إذن على هذه اجلهود املعرفية<br />
والنقدية النفاذة التي اكتنز بها تنظير إدوار<br />
اخلراط ملفهوم احلساسية اجلديدة، وجتلياته<br />
في منعطفات السرد العربي من رواية وقصة بعد<br />
هزمية يونيو 1967م، ميكننا استخالص جملة من<br />
املالحظات املنهجية عن هذا التنظير، وما قدمه<br />
من اجتهادات طموحة وجريئة مسكونة بهاجس<br />
تخصيص وتفريد أسئلة النقد العربي في تفاعله<br />
مع املنجز اإلبداعي العربي، وتنسيب رهاناته<br />
املعرفية واملنهجية.<br />
في مقدمة هذه املالحظات املنهجية عدم<br />
وضوح مفهوم احلساسية اجلديدة نفسه، وقابليته<br />
ألن يتحول ملفهوم نقدي إجرائي وملموس داخل<br />
النصوص، ألن هذا التصور ينطبق بدوره حتى<br />
على التحوالت احلاصلة في مجاالت أخرى ال<br />
ترتبط فقط باألدب واللغة، بل تشمل املوسيقى<br />
واللباس وطرز العمارة، وهو ما يجعله ملتحفاً<br />
بالعمومية وأقل إقناعاً من مفاهيم أخرى<br />
احتفظت بنجاعتها املصطلحية كالتجريب،<br />
وأثبتت ارتهانها بحقل السرد العربي، وتوصيف<br />
متغيراته الصاعدة.<br />
وتضاف لهذه املالحظة خاصية أخرى تالزم<br />
استقراء وتصنيف اخلراط لتيارات احلساسية<br />
اجلديدة، وطموحه اجلاد الستقصاء أهم<br />
مالمحها األسلوبية والداللية الفارقة، وهي<br />
خاصية التذبذب والتداخل الشديدين في<br />
اإلمساك باملواصفات الفنية واملرجعية الدقيقة<br />
املفردة لكل تيار عن آخر، وهو ما ترتب عنه إدماج<br />
اخلراط ألكثر من مبدع في تيارات عدة، وتوزيع<br />
نتاجاته الروائية والقصصية نفسها على أكثر<br />
من تيار، حيث صنفها تارة في التيار العضوي<br />
املنحاز للرؤية الداخلية املستكنهة ملا هو باطني<br />
وحلمي، وتارة أخرى ضمن االجتاه األسطوري<br />
النزَّاع للتحرر من جاهزية األشكال الروائية<br />
والقصصية الغربية، وتخصيص طرائق الكتابة<br />
السردية العربية انطالقاً من استيحاء املوروث<br />
السردي واحلكائي العربي القدمي، أو توظيف<br />
ينابيع األسطورة واخلرافة لتعضيد الكثافة<br />
التناصية والتخييلية للعمل السردي.<br />
إال أنه ومهما يكن من شأن هذه املالحظات<br />
املنهجية التي نقدمها حول تنظير إدوار<br />
اخلراط للحساسية اجلديدة، ومحصالته<br />
املعرفية واجلمالية، يظل هذا التنظير يكشف<br />
عنده عن مجهود نقدي وفكري نفاذ الستقراء<br />
العدد - 692 يوليو 2016<br />
84