10.08.2016 Views

alarabi_July-Comp

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

الكويت عاصمة الثقافة اإلسالمية 2016<br />

الطفولة والقرية والعيد<br />

العيد في جيب جلبابي!‏<br />

عبدالغني كرم اهلل<br />

كاتب وروائي من السودان.‏<br />

كنت أحسبه أجمل طقس من طقوس العيد،‏ أن يلطخ الناس جباههم بالرمل<br />

الذهبي الناعم،‏ وهم مقبلون على القرية،‏ من كل فج،‏ بعد صالة العيد الجماعية،‏<br />

تحت الشجرة البعيدة عن دارنا،‏ قرب النيل،‏ أمشي مثل معزتنا،‏ على أربع،‏ عمري<br />

دون الثالثة،‏ ولكن حين اشتد عودي،‏ وصرت ذا سبع سنين،‏ قربت الشجرة من<br />

الدار كثيرا،‏ كما صار النيل على مرمى حجر من كفي.‏<br />

تحت شجرة الجميز،‏ التي تمد غصونها عمداً،‏ إلى أقصى مدى،‏ وهذا فضل من<br />

اهلل،‏ الذي سخر الشمس والقمر والشجر والموز،‏ بنية خضراء،‏ كي تظلل القرية<br />

كلها،‏ على ضفاف النيل األزرق،‏ نصلي على الرمل،‏ تتزخرف كل الجباه بالقرب<br />

من اهلل،‏ وبالرمل الذهبي،‏ في الركعة األولى،‏ وفي الركعة الثانية،‏ وقد نز<br />

العرق،‏ بالشمس الوليدة،‏ المبتهجة أكثر منا،‏ يزيد وشم الرمل على جباه البنات<br />

واألطفال والجدات والرجال.‏<br />

حسبته في طفولتي طقسا من طقوس صالة<br />

العيد،‏ وأنا أتلفت في أثناء الصلالة،‏ ألخوالي<br />

وأهلي،‏ على مدى الصفوف الطويلة حولي،‏ وال<br />

أستطيع السجود،‏ فجيبي مليء باحللوى،‏ والبلح،‏<br />

و»طرادة،‏ وسبعة وثالثني قرشاً«،‏ محشورة فيه،‏<br />

جيبي منتفخ،‏ كخد سعيد،‏ مكور ببرتقالة بني<br />

ضروسه،‏ ‏)أحسبها كل دقيقة من يأمن مكر<br />

محاسن؟(،‏ وال محالة ستهوي ثروتي،‏ إن سجدت،‏<br />

وتخطفها أختي،‏ طريدتي محاسن،‏ وتفر كالصقر،‏<br />

فهل أقطع صالتي،‏ وأركض خلفها؟ فكنت أكتفي<br />

بالركوع فقط،‏ وبحرص عظيم على جيبي،‏ كم<br />

حكيم هو اخلياط،‏ أن وضع اجليب لصق القلب،‏<br />

في جلبابي،‏ نبضي يهدهد اجليب،‏ كي يغريه<br />

بشراء ما يريد ويرغب.‏<br />

رسخ في قلبي الصغير،‏ أن العيد هو جردل<br />

اخلبيز،‏ فوق دوالب أمي،‏ وأن تلبس اجلديد،‏<br />

مبكوة املصنع،‏ وتتوضأ،‏ وتزخرف جبهتك برمل<br />

ذهبي ناعم،‏ من اخلالء في اجلنوب الشرقي<br />

للقرية،‏ أسعدني ذلك،‏ ألن جدتي لن تستطيع أن<br />

تُعيِّرني مرة أخرى،‏ حني أتسخ،‏ بالرمل والطني،‏<br />

كلنا أطفال في العيد،‏ الرمل يعلو احلاجب،‏ رغم<br />

أنف حلم العني،‏ التي لن تعلوه،‏ أبداً.‏<br />

163<br />

العيد في جيب جلبابي!‏

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!