DOHA 86 FINAL web
DOHA 86 FINAL web
DOHA 86 FINAL web
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
ثم انتقل للعمل بالترجمة من أجل الخبز وحده. كان يترجمكتباً متوسِّ طة القيمة وغير هامّ ة أحياناً. وفي الوقت نفسهكان يترجم بعض أعمال السرياليين، وقد مثّلَ ذلك جزءاً منتكوينه األدبي.لعلّ صور الكاتب طفاً وصوره شاباً ثم بالغاً، في مقاطعمن سيرته المحوّ رة أو المعجونة بسيَر البشر اآلخرين الّذينالتقى بهم على مرّ السنوات، كلّها تجذب القارىء إلى عوالمهالروائيّة وإلى سرده الحميميّ . فالقارىء يعرفُ مسبقاً أنّ ثمّةنميمة أدبيّة يخترق القارىء عبرها شيئاً من حياة الراوي-الكاتب. وهو بذلك يؤسِّ س لميثاق بينه وبين القارىء يتّفق،عبره، االثنان على كتابة الرواية، وعلى قراءتها.كتب بول أستر الشعر، في البداية، وكذلك بعض النثر،وكعادة الشعراء الخائنين للشعر، مرّ بمرحلة جفاف كليّ لميكتب فيها شيئاً ليعود إلى الكتابة متحوّ الً إلى الرواية، فكتبفي البداية رواية التحرّيات ؛ وهو جنس متفرِّع من الروايةالبوليسية، كتبها من أجل المال، ونشَ رَ ها باسم مستعار، ثمكتَبَ رواية رفضتها أكثر من أربعين دار نشر حتى استقرَّت فيدار فرنسية صغيرة لتكون انطاقته من هناك.يقول بول أوستر متحدّثاً عن ضرورة القصص:»إننا بحاجة إلى القصص بقدر حاجتنا إلى الطعام والهواءوالماء والنوم. ألن القصص هي نغمات متنافرة مدوّ يةوصاخبة. روافد من مايين االنطباعات المتدفِّقة علينا كللحظة، وفصل أو عزل منمنمات وشظايا ذلك الطوفان أوالغزو، والقدرة على إعادة صهرها وترتيبها معاً ثم ربطها فيدوران الزمن، هو ما تفعله القصص«.النقّاد احتاروا في تصنيف أعماله الروائية، فقد جاءت مزيجاًمن روايات التحرّي البوليسية والروايات الوجودية مستفيدةمن التراث الروائي العالمي األوروبي ومن كاسيكيات النثرالعالمي، وفي الوقت نفسه هي منغمسة في الراهن السياسيالعالمي، وتُقارِ ب متونه، وتطرح أسئلته.يعتمد أوستر على وقوع الصّ دفة في األحداث. هذه الصّ دفةهي ما يحرّك البَشر وواقعهم، ولعلّ هذه الفكرة المتجذّرةفي أغلب ما كتب، تحتاج إلى دقّة في التعبير السّ رديّ وإلىتمارين تأمّ ليّة تستغرق أشهراً وسنوات. فالكاتب يقول فيأحد تصريحاته إنه يفكِّر في العمل األدبي لمدّة سنوات، حتىتصبح الشخصيات جزءاً من حياته وهواجسه وال وعيه، فاتعود تفارقه عندما يشرع في كتابتها على الورق.في كتابه »الدفتر األحمر« )1992( يرسم أوستر لوحاتقصصية غاية في الرشاقة السردية، قصصاً يتراوح طولهابين صفحة وأربع صفحات، ويحقّق منجزاً أدبياً في عدّةمستويات؛ إذ نراه يوغل في أحداث واقعيّة حدثت للكاتبمع محيطه الذي يتّخذ منه موضوعات لكتابه: كيف احترقت-صدفةً - فطيرة بصل في لحظات جوع حرجة، وكيف أدتالصّ دفة البحتة القائمة على الخطأ الى تأليف روايته، وكيفضيّعت الصّ دفة القدرية على الطفل بول فرصة أخذ توقيع منبطله المحبوب بسبب قلم رصاص. حكايات كثيرة يعجّ بهاهذا الكتاب الصّ غير، تتمازج بفعل الصّ دفة والواقع، أو واقعيّةالمصادفة، التي ارتكزت عليها كتابة أوستر على مدار أكثر منثاثة عقود.»وُ لِدت أول رواية كتبتها بفعل خطأ في رقم. في إحدىالظهيرات؛ فبينما أنا جالس لوحدي إلى الطاولة في شقَّتيفي بروكلين أحاول أن أعمل، رنّ جرس الهاتف، إن لم أكنمخطئاً كان ذلك في ربيع العام )...( 1980 رفعت السماعة،وإذا بأحدهم في الطرف اآلخر يسأل إذا ما كان قد وصل إلىوكالة فينكرتون. قلت: ال، خطأ في الرقم، وقطعت المكالمة.ثم عدت إلى عملي وسرعان ما نسيت أمر المكالمة.في ظهيرة اليوم التالي رنَّ جرس الهاتف من جديد. تبيَّنأنه الشخص نفسه، وأعاد سؤال اليوم السابق نفسه: »هلوصلت إلى وكالة فينكرتون؟« قلت: ال، مجدَّداً، وقطعتالمكالمة، لكني هذه المرة بدأت أفكِّر: ماذا كان سيحدث لوأجبت باإليجاب؟.انتظرت أن يرنّ الهاتف من جديد، لكنالمكالمة الثالثة لم تأتِ .عندما شرعت بكتابة »مدينة الزجاج«، تحوَّ ل خطأ الرقم إلىالحدث الحاسم للكتاب، خطأ حرَّك القصّ ة بكاملها. شخصباسم »كوين« يتلقّى اتّصاالً من شخص يطلب محادثة بولأوستر، المحقِّق الخصوصي. بالضبط كما فعلت أنا، يقولكوين للمُ تَّصل إنه أخطأ في الرقم. يحدث األمر نفسه فيالمساء التالي، ويقطع كوين المكالمة من جديد. لكن كوين،خافاً عني، يحظى بفرصة أخرى. عندما يرنّ الهاتف فيالمساء الثالث، يندمج مع المُ تَّصل، ويجازف. نعم، يقول: أنابول أوستر. وفي تلك اللحظة تبدأ المغامرة.«.ومن طقوس أوستر أنه يكتب بقلم الرصاص، ثم ينقل، آخرالنهار، ما يكتبه إلى اآللة الكاتبة العجوز رافضاً استعمالالكمبيوتر. مازال يعيش فوبيا فقدان ما قد يكتبه علىالكمبيوتر: رجل نيويورك يخشى التكنولوجيا ومنتجاتالحداثة!.لقلم الرصاص معه قصّ ة ذَ كَ رها في »الدفتر األحمر«: فيطفولته كان يعشق البايسبول، ويحبّ العباً شهيراً آنذاك،وفجأة اعترضه في الشارع، فلم يصدِّق الطفل بول أوستر،فهُرِع إليه يريد أوتوغرافاً، طلب منه الاعب قلماً فلم يعثر فيجيبه على أي شيء يكتب به، تركه الاعب ومضى، فظلّالطفل يبكي على الحظّ التعس. من يومها يحمل بول أوسترفي جيبه قلم رصاص، وقلم حبر، ويقول »إن فسد قلم الحبرفسيكون قلم الرصاص موجوداً حتى ال أضيِّع على نفسيفرصة أخرى«.أوستر أديب من طراز رفيع، يمارسُ طقوسه في الكتاببثبات وروتينيّة. ولعلّ هذه الروتينيّة، وهذا االستقرار فيالحياة في مثل هذه السّ ن، هما ما جعا منه اليوم كاتباً عميقاًوغزيراً وجريئاً ومتنوّ عاً، متعدّد الرؤى، يكتبُ من زوايامختلفة تعكسُ نظراته المتعدِّدة إلى العالَم وإلى المحيط.101