DOHA 86 FINAL web
DOHA 86 FINAL web
DOHA 86 FINAL web
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
استدراكأمجد ناصرأمطار رغدانهَ بطّ تُ من »جبل الحسين« إلى »مُ جَّ مع رغدان« للنقليّاتألستقلّ الحافلة إلى مدينة المفرق في شمال األردن. بدأتاألمطار تنقر واجهة سيارة »السرفيس« ببطء، ثم بتسارعٍطرديّ مع »هبوطنا« إلى أخفض بقعة في عمّان، عاصمةالباد وكرسيِّ الحُ كم، وما إن وصلنا إلى »المجمَّع«، الذييضمّ نقليّات األقاليم، حتى صار المطر أشبه ببراميل ماءتندلق من السماء. نحو نصف ساعة من هذا المطر المدراركادت أن تغرق »المجمَّع« بمن فيه من بشر وما فيه منعربات. التجأت، مع آخرين، إلى سقف صفيحيّ بالقربمن موقف سيارات »السرفيس« يقيناً أن هذا »الكبُّ » منال ربّ .وجوه أهل هذه الباد ليست من النوع المتهلِّل، لكنَّهطول األمطار الغزيرة أفرجَ عن تهاليل حبسية. ضحكاتودعوات وتشكُّرات، تُسْ مَ عُ هنا وهناك، لهذا الزائر المنتظربش وق ورج اء.قال أحد الملتجئين، مثلي، إلى السقف الصفيحيِّ لصاحبله: لو أنها تمطر هكذا ساعتين لغرق األردن! يبدو أنَّه منأحد المخيَّمات القريبة من عمّان ألنه كان يتحدَّث، إلىمن كان معه، عن األمطار التي هطلت قبل يومين وجَ رَّتسيوالً في أزقّة المخيَّم. يا اهلل، يا كريم. قال الرجل المتينالملتحي ألحدهم، ثم أضاف، موجِّ هاً كامه، هذه المرّة،إل ى رج ل ب دوي عج وز وج د في ه مس تمعاً عش وائياً: مني حمشان الزيتون. بيزيد الزيت.فعاً ، األردنيون ال يقطفون زيتونهم إال بعد الشتوةاألولى لقناعة- ال أدري مدى علميتها- تقول إن الزيت يزدادفي حبّة الزيتون بعد تلقّيها أمطار الشتوة األولى.خفَّ المطر قلياً . انطلقت إلى موقف حافات المفرقفي آخر المجمَّع. كان مجرى سيل عمَّان المصفَّح باإلسمنتيهدر. كأنَّ النهر القديم، الذي عرفه هذا المجرى العريضذات يوم، عاد من غيابه الطويل. كأنَّ هديره، الذي يُسمعُم ن ناف ذة حافلت ي الذاهب ة إل ى مدينت ي الصحراوي ة، تذك رةٌبماضيه األزرق العريق. يمكن أن ال تحضر »أنشودة المطر«،رائعة السيّاب، لمجرَّد رؤية هطول المطر. فالمطر، منعادته، أن يهطل في الشتاء على األقل. هذا صحيح فيأماكن عديدة من منطقتنا إال في األردن المصنَّف بين أفقرعش رة بل دان ف ي العال م للم اء. لذل ك يكتس ب هط ول المط رفي األردن بعداً طقسياً، يبطن ما كان له من منزلة فيأديان المنطقة القديمة. كان للمطر في الباد السورية إلهخاص يدعى »حدد«، رفَّعه نبوخذنصر الكلداني إلى مرتبة»إل ه الس ماء واألرض«. وج اء ف ي الرقُ م الطيني ة بخصوص هما يلي: »إذا سرق الحاكم ثيران الشعب وأخفاها، أوعاث بحقولهم وزرعهم، أو أعطاها إلى األجنبي فإن»حدد« سيكون له بالمرصاد، وإذا استولى على غنمهمفإن »حدد«، ساقي األرض والسماء، سيبيد ماشيته فيمراعيها، وسيجعلها طعاماً للشمس«!في »أنشودة المطر« يحتفي السيّاب بالمطر.. لكنَّهيبدو كلعنة وعقاب، وليس نعمة من السماء إلى األرضالعطشى. فالمطر، عنده، مرتبط بالجوع، نقيض مايعنيه المطر من خصب وبعث لموات الطبيعة. وهو،عنده، يبعث على الحزن واألسى عكس ما بدا في وجوهاألردنيين المتهلِّلين لرؤيته حتى وإن جرف، أمامه، كلَّ مايصادفه في طريقه. ليس المطر غريباً على السيّاب، ابنجنوب العراق الخصب، ابن مياه شطّ العرب وجيكور،لكنَّه غريب، بعض الشيء، لشاعر أردني. ما سيكتبههذا األخير سيكون مختلفاً عما جاء في رائعة السيّاب منوحشة وحزن وجوع يبعثه المطر! بيد أنَّ السيّاب يرىالجوع الذي يبعثه المطر من خال »الجراد« الذي يأتيعلى ما تغلُّ به الحقول. »وكلّ عامٍ - حين يعشبُ الثرى-نجوع، ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليسَ فيه جوع«. فكيف يستويالمطر مع الجوع؟ كيف يتحوَّل الخصب الذي يحدثه المطرفي األرض والحقول إلى ما يشبه الندب الديني عند السيّاب؟هل يتعلَّق األمر- فعاً - بالمطر الطبيعي، أم بمطر من نوعآخر؟ أم أنه هو مطر السماء، ولكن مآل هذا المطر ال يذهبإلى أفواه الزارعين والحاصدين؟بوسعنا أن نرى في مطر السيّاب رمزاً. هو الذياشتغل على الرموز واألساطير في شعره. قد يكون مطرالس ياب رج ع ص دى للم اء والت راب عن د إيلي وت ال ذي ي رىفي نيسان، منطلقَ الربيع، أقسى الشهور؛ أثر كهذا ممكنومتوقع عند السياب الذي فُتِن بالشاعر البريطاني ذياألصل األميركي. ولكن الممكن أكثر أن نرى بعداً يساريّاً فيقصيدت ه ه ذه، فمداه ا يتج اوز الع راق إل ى الظ رف العرب ي.85