DOHA 86 FINAL web
DOHA 86 FINAL web
DOHA 86 FINAL web
- No tags were found...
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
فاصلةعبد السالم بنعبد العاليالمفكّ ر اإلعالميس بق ألحد المفكرين الذي ن تحدث وا ع ن كتاب »صراعالحضارات« لصامويل هانتينغتون، أن اعترف بأنه اليذكر بالضّ بط ما إذا كان قد قرأ هذا الكتاب، بل إنهال يذكر حتى ما إذا كان كتاباً بالفعل أم مجرّد مقال.قد يبدو األمر شديد المُ بالغة، لكن يكفي لكل منّا أنيسترجع ماضي قراءاته كي يُسلم بعدم استحالة األمر.َفأنا، على سبيل المثال، ال أستطيع أن أُحدّد بالضّ بط ماإذا كن ت ق د ق رأت بالفع ل بع ض الكت ب أي ام كن ت طالب اً،أم أنني أعرف محتوياتها من كثرة ما كنت أسمع عنها.تلك، فيما يخصّ ني، حال بعض مؤلفات ماركس. أنااآلن عاجز عن الجواب عن السؤال عما إذا كنت قدقرأت بالفعل »البيان الشيوعي« أو »العائلة المقدسة«أو»مخطوطات 44«، أم أنني أعرف محتويات هذه الكتبمن شدّة ما كنّا نتحدّث، ويُتحدّث لنا عنها.قد يُقال إن هذا حصر على الكتب التي تتكفّلأيديولوجيات رائجة بغرس مضامينها في قلوبناوعقولنا، فتجعلنا نتشرّب أفكارها من غير حاجة إلىاالطاع عليها. لكن، لو أن األمر كان كذلك، لخفتتحدّة الظاهرة، ولما استفحل أمرها على ما ناحظهاليوم، خصوصاً أن العصر كما يقال عصر »أفولاأليديولوجيات«.في عبارة ال أذكر ما إذا كنت قرأتها أم أنها »تناهتإل ى س معي«، يتح دّث روالن ب ارت عم ا يص حّ أن نس مّيه»ثقافة األذن«، وهي ثقافة تعتمد أساساً »ما يتناقلعن طريق السمع«، وهي التي تكرّسها اليوم وسائلاإلعام بمختلف أشكالها، والتي ترفع شعاراً لها: ينبغيالحديث عن الكتاب بمجرد ظهوره والكتابة عنه و»القولعنه« أكثر مما يقول هو نفسه، بحيث يمكن في نهايةاألمر لمقاالت الصحف والحوارات والندوات وبرامجاإلذاعة والتليفزيون.. أن تحلّ محلّ الكتاب الذي يكفيهأن يظهر كعنوان وقّعَ ه اسم معروف.ال ينبغي أن نفهم هذه العاقة بين الكتابة واإلعامعلى أنها عاقة »خارجية«، وأن هناك توزيعاً لألدواربينهما، بحيث يعمل اإلعامي على »نشر« ما ألّفهالكاتب. العاقة التي تربط اليوم وسائل اإلعامبالكُ تّاب والمفكّرين، أكثر حميمية مما نتصوّ ر ألوّ لوهلة، إنها عاقة تماهٍ ، إذ غالباً ما يتحوّ ل الكاتب نفسهإلى إعامي فيتنَقّل بين منابر الصحافة والتليفزيوناتليحدثنا، هو نفسه، عن محتوى كتابه، إلى حدّ أنبإمكاننا أن نجزم أن أغلب المثقفين اليوم أصبحواصحافيين ونجوم مجات وشاشات. فالصحافي اليومهو الوجه الجديد للمفكر، ما يعني أن األمر ال يتعلّقفحسب بمجرد ظرفيات خارجية يعيشها الفكر. ليسالفكر اليوم فكراً »يستعين« باإلعام، وإنما هو »فكر«جديد، فكر ينمو في اإلعام وعن طريقه، فكر ال يذكر،من شدة ما يشاهد ويسمع ويتحدّث، ما إذا كان قد قَرأبالفعل أم لم يقرأ.قد يردّ البعض مُ برئاً اإلعام بتذكيرنا بأن المسألةلم تكن لتنتظر ازدهار وسائل اإلعام ، إذ يكفي أننتذكر، على سبيل المثال، ما كان أكّ ده بول فاليريحينما أبدى احتفاءه بأعمال بروست مُ عترفاً بأنه قدقرأه »بالكادّ« على حدّ تعبيره. إال أن القضية ال تتعلّقبمعرفة مدى نزاهة القارئ، إذ ال يكفي أن تطرح المسألةطرحاً أخاقياً ينشغل بما إذا كان هذا المتحدث أو ذاكقد قرأ فعاً أو لم يقرأ. فاألمر يتعلّق أساساً باألسلوبالذي يعمل به الفكر اليوم، والكيفية التي يحيا بهاالكتاب وتُطرح محتوياته في الساحة، التي هي اليومأساساً »السّ احة اإلعامية«، إلى درجة يغدو معها منالمتعذّر على أيّ كان، من شدة ما يرى ويسمع، أن يُحدّدبالضّ بط ما إذا كان قد اطّ لع بالفعل على مضمون كتاب،أم أنه يعتمد على ما »تناهى إلى سمعه«.79