12.07.2015 Views

DOHA 86 FINAL web

DOHA 86 FINAL web

DOHA 86 FINAL web

SHOW MORE
SHOW LESS
  • No tags were found...

You also want an ePaper? Increase the reach of your titles

YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.

متى ستستحي الحكومات من المثقَّ‏ ف؟وجدي األهدلفي منتصف القرن الماضي،‏دُ‏ عِ‏ ي الشاعر الشاب النابغة ‏)عبداهللالبردوني(‏ إللقاء قصيدة في عيدالجلوس فوافق.‏ وكان المتوقَّع أنيُلقي قصيدة مديح – كما جرت عادةالشعراء-‏ ويقبض مكافأته.‏ ولكنهفاجأ الجميع،‏ وألقى قصيدة تطالبباإلصاح،‏ وتنتقد األوضاع،‏ فأمراإلمام أحمد حميد الدين،‏ ملك اليمن-‏آن ذاك-‏ بزجّ‏ ه ف ي الس جن.‏ فلم ا مَ‏ رَّتاأليام طلب اإلمام أن يُحضروا إليهالشاعر األعمى،‏ فأحضروه وهومكبَّل باألصفاد،‏ فراح اإلمام يحدِّقفي البردوني مُ‏ صعّ‏ داً‏ فيه النظرومتأمّ‏ اً‏ رثاثة ملبسه وهيئته التيأزرى بها الحبس،‏ ثم قال للبردوني:‏‏»ألنكم ال تبصرون فأنتم ال تستحون«.‏فردَّ‏ عليه البردوني بسرعة البديهة:‏‏»ولكن،‏ ها أنتم ذا تبصرون ومعهذا ال تستحون!«.‏ صُ‏ عِ‏ ق اإلمام أحمدمن الجواب المُ‏ فحِ‏ م،‏ فلم يجد بدّاً‏ منإطاق سراح هذا الشاعر حياءً‏ منإعاقته البصرية وموهبته الشعرية.‏وفي العهد الجمهوري،‏ تحديداً‏سبعينيات القرن الماضي،‏ دُ‏ عيالبردوني لمناسبة مشابهة ‏)عيد ثورةالسادس والعشرين من سبتمبر/‏أيلول(،‏ فألقى قصيدة تطالبباإلصاح وتنتقد األوضاع.‏ وماكاد الحفل ينتهي حتى تلقّى إنذاراً‏بمغادرة البلد خال أربع وعشرينساعة،‏ فغادر اليمن-‏ مضطراً-‏ إلىالمنفى،‏ فمكث في دمشق عاماً‏ونصف عام،‏ ثم عاد إلى اليمن بعدأن تغيّر النظام.‏يجري مثل هذا كثيراً،‏ والهدفواضح:‏ إبعاد المثقَّف إلى الخارجليفقد اتّصاله بالداخل،‏ فتضعف قدرتهعلى فهم حقيقة ما يجري،‏ ومن ثَمَّ‏يتاشى تأثيره.‏عاد البردوني إلى اليمن،‏ وتعلَّمالحكّام الدرس،‏ فلم يوجّ‏ هوا إليهأية دعوة بعد ذلك لحضور أعيادهموحفاتهم!‏إذا جرى اعتبار الوطن مكاناً‏لاحتفال،‏ والحياة العامة عيداً‏ دائماً‏للحاكم،‏ فإن على المثقَّف العربي-‏وفقاً‏ لهذا التوصيف-‏ أن ينهض منفراشه كل صباح،‏ ويقول للطبقةالسياسية الحاكمة:‏ ‏»وطن سعيد،‏وكل يوم وأنتم بخير«.‏ وتتمّ‏ ترجمةهذه المقولة عبر كتابة المقاالتوالتصريحات الصحافية والتغريداتفي تويتر،‏ وعلى صفحته فيالفيسبوك،‏ وحتى وهو ينتقي كلماتهمع أصدقائه وفي محيط عمله.‏ ومنال يفعل هذا سيجد نفسه منبوذاً‏ غيرمرحَّ‏ ب به في وطنه،‏ وعليه أن يُفكِّرجدّياً‏ في البحث عن منفى يَقبل به.‏إن الدور المطلوب من المثقَّف العربيهو ‏»المديح«،‏ وإذا هو خرج عن أداءهذا الدور الوضيع،‏ وتقمَّص شخصيةالمصلح االجتماعي،‏ فإنه سيكونمحظوظاً‏ إذا تمكَّن من النجاة بجلده،‏واللجوء إلى أحد المنافي قبل أنيتع رَّض ل ألذى أو التصفي ة الجس دية.‏يجد المثقَّف العربي في الغرب‏»المنفى«‏ الذي يكفل له الشعوربالكرامة واألمان،‏ وأيضاً‏ الشعوربنعمة الحرّية.‏ و»الحرّية«‏ مسألةهامة يجدر بنا أن نتوقَّف عندهاقلياً‏ ، ذلك أن المثقَّف العربي يدعوإلى ‏»الحرّية«‏ في الصبح وفيالمساء،‏ ولكنه لم يتمكَّن أبداً‏ منممارستها..‏الفرصة الوحيدة المتاحة أمامالمثقَّف العربي للحصول على حرّيةكاملة غير منقوصة،‏ هي الرحيلإلى الغرب.‏ ولكن هذا الخيار-‏ وفيأكثر الحاالت اضطراراً-‏ سيؤدّيإل ى انقط اع ص ات المثقَّ ف بمجري اتاألحداث اليومية في بلده.‏السلطات العربية تُقدِّم للعالمالخارجي صورة وردية:‏ المواطنونأحرار،‏ والديموقراطية متوافرة بكمياتتجارية!‏ بينما المثقَّف الملتزم يُغرّدخارج السرب،‏ ويذكر الحقيقة عاريةكما هي:‏ المواطنون مُ‏ قيَّدون بالسمعوالطاعة،‏ والديموقراطية كذبة!‏نستفيد من الواقعة التي أوردناهاعن البردوني ضرورة أن تتحلّىالحكومات العربية بالحَ‏ دّ‏ األدنىمن الحياء!‏ هذا يعني حركة فياتِّجاهين:‏ أالّ‏ تخجل حكوماتنا منمشاكلها السياسية واالجتماعيةواألخاقية والتربوية،‏ وأن تكفّ‏ عناإلنكار والمزايدات التي ال طائل منورائها،‏ وأن تسمح للمثقَّفين بقول‏»الحقيقة«.‏ ليس هذا فقط،‏ بل عليهاأن ‏»تستحي«‏ منهم عندما تسمع نقداً‏صحيحاً،‏ فتسارع إلى العمل لوضعاألمور في نصابها الصحيح.‏39

Hooray! Your file is uploaded and ready to be published.

Saved successfully!

Ooh no, something went wrong!