ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
ولأول مرة في تاريخ كوكبنا، صرنا نعرف. ليست هذه بمعرفة خاصة، أو حقيقة<br />
منقوشة على لوح حجري، بل هي ثمرة ناضجة ملسعى البشر الأعظم، مسعانا خلف<br />
معرفة وفهم العالم الحي املحيط بنا والكامن داخلنا. اكتسبنا بطبيعة الحال فهمًا عامٍّا<br />
للأمر منذ وقت داروين، الذي نشر كتابه «أصل الأنواع» منذ ١٥٠ عامًا. ومنذ داروين<br />
نَمَتْ معرفتنا باملاضي ليس فقط بفضل الحفريات التي تملأ الفجوات، بل أيضً ا بفهمنا<br />
للبنية الدقيقة للجينات، وهو الفهم الذي يقوم عليه الآن كل تفصيلة من تفاصيل <strong>الحياة</strong><br />
املعقدة. ومع هذا، ففي العقود الأخرية وحسبُ بدَأْنا في الانتقال من النظريات واملعرفة<br />
املجردة إلى الصورة الحية املُفص َّ لة للحياة واملكتوبة بلغةٍ بدَأْنا منذ وقت حديث للغاية في<br />
فَك ِّ طلاسمها، وتحم ُّل مفاتيح فهم العالم من حولنا وأيضً ا فهم املاضي البعيد.<br />
إن القصة املكتشفة أكثر تأثريًا، وأكثر إلحاحًا، وأكثر تعقيدًا من أي قصة عن<br />
الخَ لْق. لكن، شأن أي قصة عن الخلق، هي قصة طفرات وتغري ُّ ات مفاجئة مذهلة، تفجر<br />
للاختراعات التي غريت وجه كوكبنا ومحت الثورات السابقة بطبقات جديدة من التعقيد.<br />
إن الجمال الهادئ الذي يبدو عليه كوكبنا من الفضاء يخفي التاريخ الحقيقي لهذا<br />
الكوكب، ذلك التاريخ املليء بالنضال والإبداع والتغيري. ومن قبيل املفارقة أن تعكس<br />
صراعاتُنا التافهةُ ماضيَ كوكبنا املضطرب، وأننا وحدنا مُفسِ دِي الأرض من نستطيع<br />
ال<strong>ارتقاء</strong> فوقها لنرى الوحدة الجميلة للكوكب ككل ٍّ.<br />
تبلور السواد الأعظم من هذا الحراك الذي مَر َّ به كوكبنا بفعل عددٍ قليلٍ من<br />
الاختراعات التطورية؛ اختراعات غري َّ َت العالم وفي النهاية مك َّنَتْنا من <strong>الحياة</strong>. يجب أن أوضح<br />
أنني لا أود أن أعني ضمنًا من وراء كلمة «اختراع» وجود مخترع متعمد. يُعر ِّف قاموسُ<br />
أكسفورد الاختراعَ بأنه: «الاستحداث أو الإنتاج الأصلي لطريقة أو وسيلة جديدة لِعَمَلِ<br />
شيءٍ ما، لم تكن معروفة من قبل، ومن مرادفاتها الابتداء والابتداع.» ليس للتطور بصرية<br />
مستقبلية، ولا يخطط للمستقبل. فما من مخترع، ولا تصميم ذكي. ومع ذلك، يُعر ِّض<br />
الانتقاءُ الطبيعي جميعَ السمات لأكثر الاختبارات قسوة، وصاحب التصميم الأفضل يفوز.<br />
إنه مختبر طبيعي ٌّ يستخف ُّ باملسرح البشري، ويمحص تريليونات الفوارق الضئيلة في<br />
الوقت نفسه، مع كل جيل بعينه. التصميم موجود حولنا في كل مكان، وهو نتاج عمليات<br />
عمياء لكن مبدعة. عادة ما يتحدث التطوريون على نحو غري رسمي عن الاختراع، ولا<br />
تُوجَد كلمة أفضل منها تُعبر ِّ عن الإبداع املذهل للطبيعة. إن اكتساب املعرفة عن الكيفية<br />
التي حدث بها كل هذا هو الهدف املشترك بني جميع العلماء، بغض ِّ النظر عن معتقداتهم<br />
الدينية، وهو أيضً ا هدف أي شخص يهتم بوجودنا.<br />
18