ارتقاء الحياة
40524903
40524903
Create successful ePaper yourself
Turn your PDF publications into a flip-book with our unique Google optimized e-Paper software.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
لذا فلنتفك َّرْ قليلاً في احتمال أن الشفرة كانت في بداية الأمر مزدوجة، وليست<br />
ثلاثية، شفرة لعدد إجمالي مقداره ١٥ حمضً ا أمينيٍّا (زائد كودون «توقيفي» واحد).<br />
هذه الشفرة القديمة يبدو أنها كانت حتمية بالكامل تقريبًا، بمعنى أنها يتم إملاؤها من<br />
قبل عوامل فيزيائية وكيميائية، وثمة استثناءات قليلة لهذه القواعد بأن يكون الحرف<br />
الأول متحالفًا مع املادة السابقة (الطليعية)، بينما يكون الحرف الثاني مرتبطًا بدرجة<br />
تقب ُّل الحمض الأميني للماء. وثمة مجال قليل هنا لدور املصادفة؛ فلا تحرر من القواعد<br />
الفيزيائية.<br />
إلا أن الحرف الثالث يُعَد ُّ شيئًا مختلفًا؛ إذ يُوجَد قَدْرٌ كبري من املرونة املتعلقة بهذا<br />
الحرف، وثمة دور للمصادفة يمكن أن تلعبه، ومن ثم صار ممكنًا أن يعمل الانتقاء على<br />
تحسني الشفرة. هذا، على أي حال، كان الافتراض املتطرف الذي تقد َّمَ به اثنان من علماء<br />
الأحياء الجزيئية الإنجليز؛ وهما لورنس هريست وستيفن فريلاند، في أواخر تسعينيات<br />
القرن العشرين. لقد صار الاثنان في بؤرة الاهتمام العلمي حني قارنا الشفرة الجينية<br />
بملايني من الشفرات العشوائية املنتجة بالكمبيوتر. وفك َّرا في مقدار الضرر الذي يمكن<br />
أن ينجم عن الطفرات املوضعية؛ إذ يزول أحد الحروف من مكانه ليحل محله حرف<br />
آخر. وتساءلا: أي شفرة يمكنها أن تقاوم هذه الطفرات بشكل أفضل، إما بالاحتفاظ<br />
بنفس الحمض الأميني بالضبط، وإما بإبداله بآخر مماثل؟ ووجدا أن الشفرة الجينية<br />
الحقيقية مقاومة للتغيري بشكل مذهل؛ فغالبًا ما تحافظ الطفرات املوضعية على تتابع<br />
الأحماض الأمينية، وإذا ما حدث تغيري ما فإنه يكون هناك مَيْل لأن يجيء حمض أميني<br />
ذو صلة فيزيائيٍّا ليحل محل الحمض الأميني املتغري. وفي الواقع، أعلن هريست وفريلاند<br />
أن الشفرة الجينية الطبيعية أفضل من مليون شفرة بديلة مولدة عشوائيٍّا. ليس الأمر<br />
محض تعصب من طرف املهتمني بالشفرة الطبيعية، ولكن شفرتنا الجينية فريدة بحق.<br />
فلا يقتصر الأمر على أن الشفرة تقاوم التغيري، بل إنها أيضً ا تعمل عن طريق تقييد<br />
العواقب الكارثية الناجمة عن التغريات التي تحدث على تسريع عملية التطور؛ فمن<br />
الواضح أن الطفرات، إن لم تكن كارثية، فهي مفيدة على الأرجح.<br />
وإذا نح َّيْنا فكرة التصميم غري الأرضي للشفرات جانبًا، فإن الطريقة الوحيدة التي<br />
قد يفكر فيها أحدنا لتفسري تحسني الشفرة هي عن طريق عمليات الانتقاء. وإذا كان<br />
الأمر كذلك فإن شفرة <strong>الحياة</strong> لا بد أن تكون قد تطورت. بالتأكيد، يظهر عدد الاختلافات<br />
الطفيفة في الشفرة «العامة» فيما بني البكترييا، بعضها والبعض، وامليتوكوندريا الخلوية<br />
70