Attention! Your ePaper is waiting for publication!
By publishing your document, the content will be optimally indexed by Google via AI and sorted into the right category for over 500 million ePaper readers on YUMPU.
This will ensure high visibility and many readers!
الإبصار أن تكون أم جميع العيون الحيوانية، وربما الحيوانات ككل ٍّ، متمثلة في طحلب أخضر يمارس عملية البناء الضوئي. هذا، بطبيعة الحال، يُثِري تساؤلاً : كيف بحق السماء وصل الرودوبسني الطحلبي إلى الحيوانات؟ من املؤكد أن طحلب الفولفوكس الجميل هذا ليس على خط ٍّ وراث ٍّي مباشر مع الحيوانات. ولكن نظرة سريعة إلى تركيبة البقع العينية تُوحي على الفور بمفتاح هذا اللغز؛ فالرودوبسني مدفونٌ في أغشية بلاستيدات الكلوروفيل (تلك التراكيب الدقيقة في الطحالب والخلايا النباتية؛ املسئولة عن عملية البناء الضوئي). ومنذ مليار سنة، كانت أسلاف تلك البلاستيدات هي البكترييا حرة املعيشة املمارسة لعملية البناء الضوئي، املسماة بالبكترييا الزرقاء، التي التهمتها خلايا أكبر (انظر الفصل الثالث). وهذا يعني أن البقع العينية لا يقتصر وجودها على الفولفوكس بالضرورة. ولكن لها صلة ببلاستيدات الكلوروفيل، أو ربما أسلافها املسماة بالبكترييا الزرقاء. 11 وتُوجَد بلاستيدات الكلوروفيل في كثريٍ من أنماط الخلايا الأخرى، بما فيها قليل من الحيوانات الأولية (وحيدة الخلية) التي يُعَد ُّ بعضها ضمن الأسلاف املباشرة للحيوانات. والحيوانات الأولية هي كائنات تتكو َّن كل ٌّ منها من خلية واحدة متكاملة. وأكثر تلك الأوليات شهرةً هي الأميبا. كان رائد علم دراسات املجهر الهولندي أنتوني فان لوفنهوك أول من شاهدها، بالإضافة إلى فحص حيواناته املنوية، وقد أطلق عليها اسم الحييوينات (أي الحيوانات الصغرية)؛ لتمييزها عن الطحالب املجهرية التي صن َّفَها مع النباتات باعتبارها نباتية بالأساس. ولكن هذا التقسيم أخفى وراءه العديد من الأخطاء؛ لأننا إذا استطعنا تكبري حجم بعضٍ من هذه الحييوينات الصغرية حتى تصل إلى أحجام البشر، فسوف نُصعَق ملرأى مسوخ بشعة املنظر، نصف وحوش ونصف نباتات، وهي تحملق فينا، مثل لوحات الفنان الإيطالي آرسيمبولدو. وبألفاظ أكثر هدوءًا نقول إن بعض الحيوانات الأولية املتحركة التي تسبح متجولة سعيًا وراء فريستها تحتوي أيضً ا على بلاستيدات كلوروفيل (مثل اليوجلينا)؛ مما يكسبها بعدًا طحلبيٍّا، وحقٍّا إنها اكتسبته بنفس الطريقة التي حدثت للطحالب بالضبط؛ وذلك عن طريق ابتلاع خلايا أخرى. أحيانًا ما تبقى هذه البلاستيدات تؤدي وظائفها؛ لتفي بالاحتياجات الغذائية لعائلها، ولكنها تتحلل في حالات أخرى، تاركة وراءها أغشيتها الخاصة وجيناتها املميزة، مثل ذكرى باهتة ملاضٍ كان رائعًا، أو مثل قطع وأجزاء متنو ِّعة في ورشة سمكري، كأساس لابتكار جديد؛ ابتكار قد يكون في شكل مثل العني. وهذا الكائن الهجني املجهري، وليس 245
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong> الفولفوكس نفسه، هو نوع الكائن الذي يظن بعض الباحثني (ولا سيما فالتر جرينج مرة أخرى) أنه قد يخفي في داخله أم جميع العيون الحيوانية. فأي كائن هجني دقيق هذا؟ لا أحد من العلماء يعرف الإجابة، ولكن هناك دلائل وقرائن مُحري ِّ ة، وأمامنا الكثري لنتعلمه. إن بعض الحيوانات الأولية (الدينوسوطيات) تثري الدهشة باحتوائها على عيون دقيقة مُعق َّدة بها شبكية وعدسة وقرنية، كلها محتشدة في نفس الخلية. ويبدو أن هذه العيون نشأت من بلاستيدات كلوروفيل متحللة، وهي أيضً ا تستخدم الرودوبسني. وهناك تساؤل مفتوح عم َّا إذا كانت العيون الحيوانية قد نشأت منها مباشرةً أم بشكل غري مباشر (من خلال عملية تكافلية) في هذا الكائن الصغري املليء بأشياء مهمة الذي لا يعرفه إلا القليلون. ولا يمكننا تحديد ما إذا كانت عملية تكو ُّن العيون قد حدثت كخطوة متوقعة أم كمحض مصادفة؛ فهذا ما لا نعرفه. إلا أن هذا النوع من التساؤل، املحدد والشامل في الآن عينه، يقع في صميم العلوم، وآمل أن يلهم جيلاً صاعدًا يتطلع بعيونه إلى النجوم. 246