ارتقاء الحياة

ارتقاء الحياة
بالانتقاء الطبيعي؟ فلم تكن ثمة عيون إطلاقًا منذ ٥٤٤ مليون سنة مضت ثم نشأت
عيون تامة التكوين بعد ذلك بأربعة ملايني سنة.‏ ظاهريٍّا،‏ تبدو الحفريات مناقضة
للمتطلبات الداروينية الخاصة بضرورة حدوث مليون تدرج سلس،‏ كل ٌّ منها مفيد في
حد ِّ ذاته.‏ لكن في واقع الأمر،‏ يمكن تفسري املشكلة بدرجة كبرية من خلال ما يحدث من
تعارض في املقاييس الزمنية بني املدى املألوف للحياة والأجيال من ناحية وبني املرور
الرتيب للعصور الجيولوجية من ناحية أخرى.‏ فأي تغري ُّ يحدث عَبرْ‏ َ مليون سنة إذا
قسناه مقابل ما يمر من مئات امللايني من السنني في إيقاع رتيب فإنه يبدو كأنه حدث في
عجالة سريعة،‏ ولكنه لا يزال يُعتبرَ‏ زمنًا طويلاً‏ بالغ الطول بالنسبة ملا تعيشه الكائنات
الحية.‏ فكل ما لدينا من أجيال حديثة من الكلاب،‏ على سبيل املثال،‏ نشأت أصلاً‏ من
الذئاب وتطو َّرت،‏ بمساعدة من البشر،‏ في خلال واحد على مائة من ذلك الزمن.‏
من وجهة النظر الجيولوجية،‏ حدث الانفجار الكمبري كغمضة عني؛ فيما لا يزيد
على ملايني قليلة من السنني.‏ ولكن من وجهة النظر التطورية يُعتبرَ‏ هذا الحدث زمنًا
طويلاً‏ ، وحتى مدة نصف مليون عام من الزمن تُعتبرَ‏ أكثر مما يكفي لكي تنشأ عني
وتتطور.‏ وقد عكف العاملان نيلسون وبلجر،‏ وهما يُقد ِّمان فرضيتهما لتسلسل الخطوات
‏(انظر الشكل 2-7) على حساب الزمن املطلوب.‏ وقد افترضا على نحوٍ‏ متحفظ أن كل
خطوة لن تُحدِث سوى تغيري قَدْره ١ باملائة فيما يتعل َّق بتلك التركيبة العينية بالذات،‏
في صورة تعم ُّق طفيف في كرة العني،‏ أو تغري ُّ طفيف في العدسة … إلخ.‏ وحينما أحصيا
جميع الخطوات،‏ صعقَا حينما وجدَا أن العني تحتاج إلى ٤٠٠ ألف تغري ُّ محدد لكي
تتطور من مرحلة الشبكية املكشوفة البدائية إلى العني مكتملة التكوين ‏(وهذا الرقم لا
يبتعد كثريًا عن رقم املليون الذي طرحته ارتجالاً‏ ). ثم افترضَ‏ ا أن التغري ُّ الواحد يستغرق
جيلاً‏ واحدًا ‏(وإن كان من املمكن بسهولة أن تحدث تغريات عدة دفعة واحدة؛ مما يوضح
أن التقدير املذكور متحفظ).‏ وافترضَ‏ ا في نهاية الأمر أن النوع العادي من الحيوانات
البحرية الذي تَحْدُث فيه تلك التغري ُّ ات يُتوق َّع أن ينجب مرة واحدة في العام.‏ وعلى هذا
الأساس،‏ استنتجا أن عينه تستغرق أقل َّ من نصف مليون عام حتى تتطو َّر إلى عني
5
كاملة.‏
وإذا كانت جميع هذه الاعتبارات صحيحة،‏ فإن نشوء العيون يُعتبرَ‏ حقٍّا بمنزلة
شرارة إطلاق للانفجار الكمبري.‏ وإذا كان الأمر كذلك،‏ فلا بد أن يُعَد َّ نشوء العني
وتطو ُّرها ضمن أهم الأحداث وأكثرها إثارةً‏ في تاريخ الحياة على الأرض.‏
224