ارتقاء الحياة
40524903
40524903
You also want an ePaper? Increase the reach of your titles
YUMPU automatically turns print PDFs into web optimized ePapers that Google loves.
<strong>ارتقاء</strong> <strong>الحياة</strong><br />
وهذه العيون الصغرية الغريبة التي تنبثق من أماكن مميزة لم تكن تلك الأعني املألوفة<br />
التي تشبه الكامريا واملوجودة لدى الفئران والبشر، ولكنها أعني مركبة، تتصف بكل<br />
أنواع الصفات املميزة للحشرات والقشريات. والذي أثبتته هذه التجربة القاسية هو أن<br />
الجينات املطلوبة لتكوين العني لدى الفأر ولدى الذبابة متماثلة. فقد تَم َّ حفظ تلك<br />
الجينات بأمانة مذهلة على مدى ٦٠٠ مليون سنة من التطو ُّر منذ آخر سلف مشترك<br />
للفقاريات واللافقاريات، إلى درجة أنها ما زالت قابلة للعمل على نحوٍ تبادلي. فإذا<br />
وضعت جني الفأر في ذبابة فسيتولى َّ أمر أجهزة الذبابة، أينما تم َّ وضعه، موجهًا مجموعة<br />
الجينات الفرعية الخاضعة له بالذبابة بصنع عني في نفس املكان على الفور.<br />
در َّس الفيلسوف الأملاني نيتشه لبعض الوقت في جامعة بازل. وربما لتكريمه،<br />
أطلق جرينج على جني الفأر اسم «الجني املسيطر»، قياسً ا على فكرة «الجنس املسيطر»<br />
الخاصة بنيتشه. وأتساءل إن كان من الأنسب أن نطلق عليه اسم «الجني املايسترو»،<br />
فبالتأكيد تلك التسمية أقل تفخيمًا وأقرب إلى روح الجماعة املترابطة؛ إذ يعمل الجني<br />
مثل قائد الأوركسترا الذي يستحضر أجمل الصيغ املوسيقية دون أن يصدر أي نغمات<br />
موسيقية من جهته. فيعمل الجني على تجميع تراكيب العني عن طريق حث ِّ «العازفني»،<br />
كل ٌّ على حدة وكل ٌّ مؤد ٍّ دوره املنوط به. ثمة صور مختلفة معروفة لنفس الجني بالفعل<br />
من خلال ما حدث له من طفرات في الذباب والفئران والبشر. ففي الفئران والذباب أُطْلِق<br />
على الجني اسم «العني الصغرية» و«اللاعيني» على الترتيب، مُعَبر ِّ ًا بألفاظ معكوسة —<br />
وهو ما دأب علماء الوراثة على القيام به — عن مقدار النقص الذي يتسب َّب به غيابه.<br />
أما في حالة البشر، فإن الطفرات في نفس الجني تُسب ِّب مرض اختفاء قزحية العني؛ إذ لا<br />
تتكو َّن قزحية العني، وهي حالة مزعجة وكثريًا ما تُسب ِّب العمى، إلا أن هذه تُعَد ُّ نتيجةً<br />
محدودةَ الأثر بالنسبة لجني مسيطر يُفترَض أنه يُشرف على عملية تكوين العني ككل ٍّ.<br />
ولكن هذه الحالة املرضية تَحْدُث فقط إذا كان ثمة تلف في نسخة واحدة فقط من هذا<br />
الجني، ولكن إذا كانت كلتا النسختني تالفتني أو مفقودتني فلا يتكو َّن الرأس بكامله.<br />
ولقد زادت الصورة تعقيدًا منذ تجربة جرينج الرائدة. يُعرَف «الجني املسيطر»<br />
الذي اكتشفه جرينج اليوم باسم باكس٦. وقد اتضح أنه أكثر قوة وأكثر تفاعلاً مع<br />
جينات أخرى مما كان يُظَن سابقًا؛ فقد اتضح أن باكس٦ يعمل في جميع الفقاريات<br />
واللافقاريات، بما فيها الجمبري، بل اكتُشِ ف جنيٌ آخرُ وثيق الصلة به في قنديل البحر.<br />
كما اتضح أن باكس٦ ليس مسئولاً عن عملية تكوين العينني فحسب، بل عن تكوين<br />
236